أفراد يرغبون بتحويل الدولة لساحة مغامرات سياسية مستباحة

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور عمر الرداد إن المشهد الأردني الراهن يشهد تلاقٍ مريب بين قوى متنافرة ظاهريًا، تتشابك تحت سطح الاختلافات الشكلية في مشروع واحد خفي، يستبطن تآكل الإيمان بالدولة ككيان سيادي مستقل، ويجنح إلى تحويل الوطن إلى ساحة مستباحة للمغامرات السياسية، والتقاطعات الإقليمية، والأوهام العابرة للحدود.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية إنّ هذا التيار، الذي يعيد إنتاج نفسه عبر موجات متعاقبة من الإخفاقات والانكسارات، يتخذ في نسخته الإسلاموية أشكالًا أكثر خطورة، حيث يتحول الخطاب السياسي إلى خطاب لاهوتي مسيّس، تتماهى فيه الجماعة مع "القدسي"، وتُستدعى الرمزية الدينية لتأثيث مشهد من الطهرانية الزائفة، يُختزل فيه الوطن بالحركة، والحركة بالإله، على نحوٍ يُفضي إلى ما يشبه التأليه السياسي لكيان بشري متحول.

وبيّن الرداد أنه حين ينظر لنقد الجماعة على أنه طعن في ذات الله، نكون أمام تسطيح معرفي خطير، واختطاف متعمد للقداسة لحماية الذات التنظيمية من المساءلة، ثم تتطور المعادلة نحو تحميل النقد الوطني العام صفة "الاستقواء على الوطن"، لأن استهداف الحركة – حسب هذا المنطق – هو استهداف للدولة نفسها، بل للأمة بكاملها، مضيفًا أنها تُبنى سردية محكمة من التمويه الرمزي والابتزاز المعنوي، حيث يُصبح الاعتداء على سلطة الدولة فعلًا مشروعًا إن ارتُكب باسم المقاومة أو باسم الله أو باسم "البديل الإسلامي".

ولفت الانتباه إلى أن خلفية هذا الخطاب الفائض عن الحاجة، تُظهر أزمة مركبة، يدركها هذا التيار قبل غيره، وهي أن الزمن لم يعد زمنه، وأن هندسة الوعي الشعبي لم تعد خاضعة لأدبياته القديمة، وأن كل ورقة كان يتكئ عليها في معاركه الخطابية والسياسية تسقط تباعًا تحت وطأة التحولات الإقليمية وفشل المشاريع التي زُيّنت بشعارات "التحرير الكامل" أو "التمكين"، لا سيما بعد أن انكشفت تجليات الكارثة في غزة، وتعرّت أدوات الخطاب أمام واقع يفيض بالفجيعة.
ونوّه الرداد إلى أن زمن الشعارات الطوباوية التي لا تملك إجابات على سؤال الدولة، ولا على معضلة البناء المؤسسي، ولا على مأساة الإنسان في حاضره المعيشي لم يعد لها مكان، مشيرًا إلى أن أي تيار لا يرى في الدولة الأردنية سوى ممر مؤقت أو "ساحة بديلة" يعيد من خلالها إنتاج مشروعه العابر للواقع، لا يمكن أن يكون شريكًا في صياغة مستقبل مستقر، ذلك أنه يعد عبئًا ثقيلًا يتآكل من الداخل مع كل لحظة صدام مع الحقائق.

وأشار إلى أن الأيام القادمة – بما تحمله من ارتجاجات إقليمية وتقلّبات مفصلية – ليست حبلى بمجرد تطورات عابرة، فهي توشك أن تؤسس لتحولات بنيوية تُفضي، على الأرجح، إلى انحسار تيار المغامرين واحتراق سردياتهم، ليس فقط في الأردن، وإنما في الإقليم برمّته، ومن أراد أن يرى بعين التحليل لا بعين الانفعال، فليتأمل ما يجري في غزة بعيدًا عن خطابات حماس المنفصلة عن الواقع، وبمعزل عن سرديات المعارضة الإسرائيلية المغموسة في الأدلجة.

وذكر الرداد أن غزة – التي تحولت إلى مرآة مكبرة لحجم التناقضات – تتجلى النهاية الرمزية لهذا التيار، وهو يختنق بسقف شعاراته، ويتآكل تحت وطأة ما لا يريد الاعتراف به، فالشعوب قد تصبر، لكنها لا تُلدغ مرّتين من ذات الجُحر الخطابي.


 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية