ما يخطط له بشأن 3 دول عربية سيضع الشرق الأوسط في مأزق

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الخبير العسكري محمد المغاربة إنه حين يشتد عود المشروع الصهيوترامبي، وتتعاظم نزعاته الإمبريالية والعدائية ضمن سياق تصاعدي غير مسبوق، فإن المآل الحتمي لهذا الانفلات الجيوسياسي سيكون عزلة أمريكا عن منظومة العالم، واصطفاف غالبية الدول في مواجهتها، فيما تتخندق بقية الدول في موقع الحياد السلبي الذي لا يقل خطورة على واشنطن من العداء المعلن.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الولايات المتحدة بذلك مرشحة لأن تواجه ما يمكن وصفه بالحرب الكبرى، في بعدها الداخلي والخارجي، دون سند عالمي حقيقي، مضيفًا أن هذا الاستنتاج لا ينبع من تمنيات أيديولوجية أو نزعات عاطفية، بقدر ما يتأسس على سلسلة من المؤشرات الميدانية والاستراتيجية المتراكمة، التي تدفعنا إلى القطع بأن موازين القوة العالمية آخذة في التحول بشكل جوهري.

وبيّن المغاربة أن ما يُسوّق في الإعلام العربي من تحليلات سياسية وعسكرية تحت عناوين "الخبرة" و"الاستراتيجية" لا يتعدى كونه تفسيرات سطحية ميدانية وتكتيكية، تقدم غالباً بأثر رجعي بعد وقوع الأحداث، وتفتقر إلى الرؤية الكلية والبعد التأصيلي العميق الذي ينبغي أن يُفهم من خلاله النسق العام للتحركات العسكرية والسياسية منذ لحظة السابع من أكتوبر 2023 وحتى يومنا هذا، وفي مختلف الساحات والجبهات، مضيفًا أن هذه المنظومة الإعلامية التحليلية لا تستند إلى مصادر موثوقة، ولا تمتلك معطيات استخباراتية أو معلومات تسريبية ذات مصداقية عالية، فهي تكتفي بمحاكاة الظواهر من الخارج، دون النفاذ إلى بنية القرار الصهيوترامبي المركّب.

ونوّه إلى أن الحشد العسكري الأمريكي الكثيف والمتسارع، والذي يتموضع حاليًا في قواعد المحيط الهندي، ومنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، يتقاطع مع تصعيد عدواني ممنهج ضد اليمن، في محاولة واضحة لتنفيذ استراتيجية "الاجتثاث الكامل" للحوثيين، بما يشبه النموذج الذي جرى تطبيقه سابقًا على حزب الله اللبناني، كجزء من مشروع إضعاف وتفكيك بنية القوة الإيرانية الإقليمية، تمهيدًا للانتقال إلى المرحلة التالية التي تستهدف العراق، فإيران، ثم سوريا.

وأشار المغاربة إلى أن هذه الاستراتيجية تنبع من إعادة قولبة شاملة للمؤسسة الصهيونية، حيث تركزت مفاتيح الدولة العبرية - في الحكم، والأمن، والقضاء، والجيش - في يد اليمين الصهيوني المتطرف، ممثلًا بنتنياهو، مما أسقط القشرة الديمقراطية التي تجمّلت بها إسرائيل طيلة 75 عامًا، وكشف وجهها الاستبدادي الحقيقي الذي يتسق مع النزعة الفاشية للترامبية الأمريكية الجديدة.

واستطرد قائلًا إن الاستراتيجية الصهيوترامبية، التي تتشكل الآن في الغرف المغلقة لمراكز القرار الكبرى، تتجاوز في حجمها وعمقها وتخطيطها كل ما شهدته الجغرافيا السياسية في المنطقة منذ سايكس بيكو وحتى اليوم، وهي استراتيجية ذات أبعاد كونية، تركز بصورة خاصة على العالم العربي والإسلامي، وتسعى إلى إعادة تشكيله بالكامل، لا من خلال التحالف، بل عبر الإخضاع والتدمير الممنهج، على مراحل محسوبة.

ولعل أكثر ما يكشف عن سذاجة بعض مراكز القرار العربية هو إيمانها بأن واشنطن وتل أبيب تسعيان فعلًا إلى "تحرير" المنطقة من تهديدات إيران وأذرعها، أو أن استمرار الأنظمة الحاكمة في وضعها الحالي يضمن مصالح أمريكا وإسرائيل، مضيفًا أن هذا الوهم، الذي تراكم لعقود، يتقاطع اليوم مع حقيقة صادمة، وهي أن الصهيوترامبية لم تعد معنية بإدامة الاستقرار في الشرق الأوسط، فهي تسعى إلى تفكيكه من جذوره، تمهيدًا لإعادة هيكلته وفق خريطة أمنية جديدة تضمن الهيمنة المطلقة وتمنع نشوء أي محور مقاوم حقيقي.
ولفت الانتباه إلى أن المشروع يسير وفق منطق التدرج الذكي في قضم الأطراف، فإننا نرى بوضوح أن اليمن ستكون أولى ضحاياه، يليها العراق، عبر سلسلة من "الجردات العسكرية" التي ستمهد لتجريد إيران من ذراعيها الأقوى، قبل التفرغ لها مباشرةً، أما سوريا، فإن استهدافها المؤجل يعكس إدراك الصهيوترامبية لخطورة نشوء تحالف إقليمي سني - شيعي بين دمشق، وطهران، وبغداد، وربما بدعم تركي مستقبلي، لذلك، فإن خطة إسقاط نظام الحكم في دمشق مؤجلة إلى ما بعد تجفيف منابع القوة الإيرانية وتحييد الدور الروسي في المنطقة عبر صفقة كبرى على الساحة الأوكرانية.

في هذا السياق، تُفهم التهنئة الرسمية التي بعث بها رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني إلى الرئيس السوري الجديد "الشرع"، ليس بوصفها بروتوكولًا دبلوماسيًا تقليديًا، وإنما كرسالة سياسية عميقة تشير إلى تناغم استراتيجي بين بغداد ودمشق، بغطاء إيراني صريح، واستباقًا واضحًا لما يتحضر خلف الستار من هجوم كاسح على محور المقاومة، وفقًا لما صرّح به المغاربة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وذكر أن تخفيف الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية مؤخرًا، يعكس تحولًا في أولويات المشروع الصهيوترامبي، الذي اختار أن يُبقي الجبهة السورية تحت التجميد المؤقت، إلى حين استكمال حلقات التفكيك في طهران وبغداد، ومحاولة إنجاح انقلاب سياسي في أنقرة يمكن أن يُحيّد تركيا من المعادلة الكبرى.

ونبّه المغاربة من أنها لحظة التمكين الجيوسياسي للصهيوترامبية، التي تعمل على إعادة صياغة الشرق الأوسط ضمن خرائط الهيمنة والعقيدة العنصرية الجديدة، وهي لحظة تستدعي من كل من تبقى من أحرار هذه الأمة وعيًا استراتيجيًا يتجاوز اللحظة، ويستشرف الأخطار الوجودية التي تتهدد مستقبلنا السياسي والجغرافي والعقائدي.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير