مستويات انقسام حرجة داخل جيش الاحتلال... نتنياهو في مأزق

{title}
أخبار الأردن -

قال الباحث في مركز "تقدم للسياسات" – لندن، أمير مخول إن قيام ضباط الاحتياط والمتقاعدين في سلاح الجو الإسرائيلي وجّهوا خطابًا مفتوحًا إلى رئاسة الحكومة والرأي العام، جاء فيه أن "الحرب غدت أداة لتغذية نزعات سياسية وشخصية ضيقة"، ودعوا صراحة إلى وقف فوري للقتال حتى لو جاء ذلك على حساب استمرار العمليات.


وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن مضمون الرسالة يشكّل تحديًا صريحًا لرواية الحكومة، إلا أن ما يجعلها أخطر من مجرد بيان احتجاجي هو توقيتها، ونسبتها، وخلفيتها المؤسسية، إذ جاءت في لحظة مفصلية يتعثر فيها المشروع العسكري الإسرائيلي ويغوص في مأزق أمني وأخلاقي مزدوج، كما أن العدد الكبير من الموقعين – الذين تجاوزوا التسعمئة ضابط – يعكس درجة غير مسبوقة من التململ داخل بنية الجيش، ويطرح أسئلة وجودية حول علاقة الجيش بالمجتمع، ووظيفته في ظل قيادة سياسية تحاصرها الأجندات الشخصية والانقسامات الداخلية.

وبيّن مخول أن القيادة العسكرية رأت في هذه الخطوة انقلابًا ناعمًا على منطق الطاعة المطلقة، فسارعت إلى اتخاذ إجراءات عقابية بحق الضباط الموقعين عبر توقيفهم عن الخدمة، في محاولة مكشوفة لاحتواء عدوى التمرد داخل صفوف الاحتياط، ومع ذلك، فإن هذه الاستجابة لم تحل دون انكشاف هشاشة التماسك الداخلي، حيث تشير المعطيات إلى حالة تذمر متسعة النطاق، طالت وحدات الاحتياط، وأوساط عائلات الجنود النظاميين الذين يُمنعون من التعبير عن مواقفهم بفعل القيود العسكرية الصارمة.

وذكر أن هذه المعطيات تؤسس لحالة من الانفصام المؤسسي، تعكس عجز القيادة العسكرية والسياسية معًا عن كبح التآكل المتسارع في منظومة الثقة داخل الجيش، ما يُهدد بانهيار تدرجي في الالتزام العسكري تجاه الحرب، ويفتح الباب أمام سيناريوهات غير تقليدية في بنية القرار.

ولفت مخول الانتباه إلى أن هذا الحراك ارتدّ صداه ليجد صدًى دوليًا، لا سيما في واشنطن، حيث يتقاطع توقيت الرسالة ومضمونها مع تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه مع نتنياهو في السابع من نيسان، حين أشار إلى أن "غالبية الإسرائيليين يريدون وقف الحرب وإعادة المختطفين كأولوية"، مضيفًا أن هذا التماهي في الخطاب بين حراك الطيارين وإدارة ترامب يمنح الرسالة بُعدًا مزدوج التأثير، فهي من جهة تشكّل اتهامًا داخليًا صريحًا للحكومة بالفشل، ومن جهة أخرى تلتقي مع موقف دولي بدأ يعيد صياغة أولويات المرحلة، ما قد يجعل من الرسالة عنصر ضغط إضافيًا على نتنياهو داخليًا وخارجيًا في آنٍ معًا.

واستطرد قائلًا إن فشل المؤسسة السياسية – ممثلة برئيس الوزراء – في التعامل مع هذا الحراك عبر الحوار أو الاحتواء، ولجوئها بدلًا من ذلك إلى التخوين والتهميش، يكشف عن المأزق الذي تواجهه الدولة العبرية، فقد سارع نتنياهو إلى نعت الضباط الموقعين بأنهم "مجموعة هامشية متطرفة"، في محاولة لتقويض شرعيتهم المجتمعية، وإفراغ رسالتهم من مضمونها، إلا أن هذا الخطاب الإقصائي جاء متأخرًا وعاجزًا عن استعادة زمام المبادرة، خاصة وأن الرسالة بدت منسجمة – لا مع الخطاب السياسي التقليدي – بل مع العقل الجمعي المتصدع، الذي بدأ يشكك في مبررات الحرب وجدواها، بل ويميل إلى إعادة تقييم الكلفة السياسية والأخلاقية للاستمرار فيها.

وأشار إلى أن أهمية هذه الرسالة تنبع من أنها تمثل لحظة انعطاف في العلاقة ما بين الجيش والحكومة، وما بين العسكري والسياسي في إسرائيل، إذ تؤسس لمرحلة قد تشهد فيها المؤسسة العسكرية – أو على الأقل أطراف منها – رفضًا ضمنيًا للاستمرار في حرب بات يُنظر إليها على نطاق واسع بوصفها "حرب نتنياهو".

وهذا الحراك لا يمكن اعتباره مجرد تعبير سلمي داخل إسرائيل كما يحاول البعض تصويره، فهو في جوهره تمرد معنوي على السلطة السياسية، ومحاولة لإعادة إنتاج الشرعية من خارج معادلة الحكومة، وداخل نواة السلطة الرمزية للدولة، أي الجيش، ولهذا السبب، فإن أثره السياسي قد يتجاوز بكثير مفاعيله المباشرة، ليُحدث تغييرًا في قواعد الخطاب، وفي هندسة الرأي العام، وفي طبيعة المعادلة التي تحكم استمرار الحرب أو توقفها، وفقًا لما صرّح به مخول لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وقال إن ما يجعل هذا الحراك أكثر خطورة من سابقاته، أنه لا يُحاكم الحرب من زاوية الكلفة أو الأداء، وإنما يُلمّح إلى وجود أهداف غير معلنة خلف استمراريتها، ما يعني أن البيان يمثل في ذاته محاكمة ضمنية للمشروع السياسي الإسرائيلي برمّته، لا مجرد انتقاد تكتيكي للقيادة.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية