البطوش لـ"أخبار الأردن": ترند جيبلي.. حنين فني أم تحدٍ نفسي واجتماعي؟

{title}
أخبار الأردن -

 

في عصر السرعة الرقمية والانبهار بالذكاء الاصطناعي، برز ترند تحويل الصور الشخصية إلى أسلوب كرتوني مستوحى من أعمال استوديو جيبلي كأحد أبرز الظواهر التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، ليأسر القلوب ويستحضر مشاعر الطفولة، وليعيد تشكيل علاقتنا مع ذواتنا بطريقة فنية وبصرية حالمة، وفق الاستشارية النفسية والأسرية والتربوية، حنين البطوش.

ورأت البطوش أن أبرز ما حرّك هذا الترند في نفوس الملايين حول العالم هو الحنين العاطفي إلى الماضي، حيث ارتبطت أفلام جيبلي في أذهان كثيرين بذكريات الطفولة، البراءة، والعوالم الخيالية، ومع ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي التي تتيح تحويل الصور إلى لوحات فنية بسهولة وسرعة، وجد المستخدمون أنفسهم أمام تجربة تمزج بين الماضي والتكنولوجيا، لتعيد إحياء مشاعر دافئة وتجارب وجدانية لم تكن لتُستعاد بهذا العمق لولا الصورة.

وأضافت أن الحنين لم يكن وحده المحرك، فقد اجتمع الفضول، والرغبة في التميز، وحب التجربة في دفع المستخدمين إلى هذه الظاهرة، حيث أصبحت الصور الكرتونية وسيلة للتعبير عن الذات بطريقة فنية وجمالية فريدة، تسمح بإعادة تشكيل الهوية الشخصية ضمن إطار خيالي مثالي، يختلف كثيرًا عن الصورة الواقعية.

حالة نفسية غنية بالتجربة

وقالت البطوش إنه عند مشاهدة صورهم المعدلة بأسلوب جيبلي، عاش كثير من المستخدمين مشاعر مركّبة تراوحت بين الدهشة والانبهار، إلى السعادة الطفولية والرضا الذاتي، رؤية الذات وكأنها بطل في عالم خيالي منح المستخدمين شعورًا عميقًا بالتميز والانتماء إلى مساحة فنية ناعمة، تتيح لهم الهروب المؤقت من ضغوط الواقع.

ولا يخفى أن هذه التجربة أثرت كذلك على الصورة الذاتية، حيث شعر البعض بأنهم أكثر جاذبية أو تميزًا في نسختهم الكرتونية، ما عزّز ثقتهم بأنفسهم، ولو بشكل مؤقت، وأضفى طابعًا إيجابيًا على نظرتهم الشخصية، بحسب البطوش

ظاهرة رقمية تتجاوز الفردية

وأشارت الاستشارية النفسية والأسرية والتربوية، إلى أن ما يميّز هذا الترند أنه لم يكن مجرد تجربة شخصية، بل تحوّل إلى سلوك جماعي يعكس تحولات ثقافية واجتماعية أوسع، فاستوديو جيبلي تحوّل إلى رمز عالمي مشترك، يتجاوز الحدود الجغرافية، ما وجد شعورًا بالانتماء إلى مجتمع رقمي عالمي يوحّده نفس الرمز البصري والمشاعر المشتركة.

وأوضحت البطوش أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في توسيع نطاق هذه الظاهرة، من خلال ما يشبه الضغط الاجتماعي الإيجابي، حيث انخرط الكثيرون في الترند بدافع الاندماج وعدم تفويت الفرصة، وهنا برزت أداة “الترند” كقوة اجتماعية بنت شعورًا بالانتماء المؤقت وتحفّز الأفراد على التفاعل والمشاركة، أحيانًا دون إدراك كامل لتأثيراتها النفسية.

بين التعبير الإبداعي… والهروب من الواقع

وقالت الخبيرة إن ترند جيبلي يعكس أيضًا تحوّلًا في طرق التعبير عن الذات في العصر الرقمي، حيث لم تعد الهويات تُعبّر عنها فقط بالكلمات أو الصور الحقيقية، بل باتت الصور المعدلة تمثّل نسخًا رمزية مؤقتة من الذات، تمزج بين الرغبة في الجمال والتميز، وبين الحاجة للهرب من واقع ضاغط ومليء بالتحديات.

وفي عمق هذه الظاهرة، يمكن ملاحظة أن الجماليات الحالمة لأعمال جيبلي أصبحت ملاذًا بصريًا مشتركًا للهروب من الضغوط النفسية والاجتماعية، ما يجعل التجربة الرقمية مساحة مؤقتة للراحة الذهنية، لكنها في الوقت نفسه تحمل آثارًا سلبية ينبغي الانتباه لها، وفق البطوش.

الوجه الآخر للترند: تأثيرات أسرية ونفسية

ونوهت حنين البطوش إلى أنه على الرغم من الطابع الجمالي للظاهرة، إلا أنها ليست خالية من المخاطر النفسية والاجتماعية، خاصة على الأطفال والمراهقين، فالمقارنة بين الصور الواقعية والمعدّلة قد تؤدي إلى تشوّه في إدراك الذات، وعدم رضا عن الشكل أو الهوية الحقيقية، ما يشكّل خطرًا على التوازن النفسي وتقدير الذات.

وبينت أن التعرّض المستمر للصور الحالمة والمثالية يعزز النزعة للهروب من الواقع، ويُضعف من قدرة الأبناء على التكيّف مع التحديات اليومية. من جهة أخرى، قد يؤدي الانشغال المفرط بالترند إلى ضعف التواصل داخل الأسرة، أو حتى تنافس غير صحي بين الإخوة على جذب الانتباه عبر الصور الرقمية.

مخاطر الخصوصية لا تغيب

وقالت البطوش إن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تُعدّل الصور يطرح تساؤلات جدية حول حماية الخصوصية الرقمية، خاصة عندما تكون الصور تخص أطفالًا أو مراهقين، فبعض المنصات لا تضمن حماية البيانات، ما قد يعرّض الأسرة لاستغلال بصري أو تسريب للصور دون علمهم.

دور الأسرة… خط الدفاع الأول

وشددت البطوش على أهمية دور الأسرة في التوجيه والتوعية، ليس بمنع الأبناء من تجربة هذه الترندات، بل بمرافقتهم لفهم الفرق بين الواقع والصورة المعدلة، وتعزيز هويتهم الواقعية، وتشجيعهم على تقدير أنفسهم بعيدًا عن الصور المثالية التي تروّج لها المنصات الرقمية، الحوار والمراقبة الإيجابية، وتقديم بدائل صحية، هي أدوات أساسية لمواجهة هذه التحديات، وضمان نمو نفسي متوازن لدى الأبناء.

وفي الختام، أكدت البطوش أن ترند استوديو جيبلي هو أكثر من مجرد موجة رقمية عابرة؛ إنه مرآة لاحتياجات نفسية وثقافية واجتماعية عميقة في زمن متسارع، وبين الحنين، والهوية، والانبهار، يقع دورنا كمختصين وأسر ومجتمع، في تحقيق التوازن بين المتعة الرقمية والوعي النفسي.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير