أبو رمان يكتب: الأردن و «البنيامينة السياسية».. وما هو قادم!

{title}
أخبار الأردن -

  محمد أبو رمان

لم تعد إسرائيل مستعجلة في المدى القريب للوصول إلى تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، بوصفها الجائزة الكبرى لها في العالم الإسلامي، وإن كان قادتها يرون أنّ ذلك ضرروياً بل مؤكداً على المدى البعيد، فما يراه نتيناهو وفريقه اليوم هو بمثابة فرصة تاريخية غير مسبوقة،  لم تحدث منذ قيام دولة إسرائيل حتى اليوم، لذلك يسعون إلى إحداث تغييرات جوهرية وكبيرة في الحالة الفلسطينية، تهجيراً وطرداً واستيطاناً وضمّاً وتهويداً للقدس، من غزة إلى القدس والضفة الغربية، وهي سياسات – بالنسبة لليمين الإسرائيلي- مقدّمة على أي مصالح استراتيجية أخرى..
ليس ذلك فحسب، بل يمتد طموح اليمين الإسرائيلي اليوم إلى بناء مساحات ومناطق نفوذ إقليمية غير مسبوقة، وإعادة تعريف الأمن الإسرائيلي، بما يشمل ضرب أي مصدر من مصادر التهديد والقلق المستقبلي فضلاً عن السعي إلى تكريس صورة إسرائيل بوصفها القوة الإقليمية المهيمنة الجديدة التي لديها القدرة على أن تكون «شرطي المنطقة» في مواجهة النفوذين الإيراني والتركي.
ثمّة ثلاثة متغيرات من الضرروي أن نأخذها بعين الاعتبار في قراءة التحولات الجيو سياسية الجديدة، التي ترتبط بتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة ليس فقط على صعيد القضية الفلسطينية، بل حتى على المستوى الدولي والإقليمي..
المتغير الأول هو ما يمكن أن نطلق عليه «البنيامينية السياسية»، فإسرائيل اليوم ليست كإسرائيل بالأمس، والمقصود بها مرحلة بنيامين نتنياهو، بخاصة فيما بعد «طوفان الأقصى»، إذ تم إطلاق المشروع الإسرائيلي اليميني التاريخي من عقاله، ولن يعود مرّة أخرى للوراء، ومعالم هذا المشروع تتمثل، أولاً، على صعيد التسوية السلمية بالتخلي التام عنها من خلال التخلص من اتفاق أوسلو وتبعاته وضم أكبر مساحة من الضفة الغربية مع إنهاء المعنى السياسي للسلطة، وربما العودة إلى سيناريو «الكانتونات»، وتهويد القدس، وثانياً تتجلى – البنيامينية السياسية- بالتحول البنيوي الكامل لإسرائيل نحو اليمين واضمحلال التيار أو البعد العلماني- اليساري في السياسات الإسرائيلية، وثالثاً بالتغلغل الديني في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والسيطرة عليها بصورة كاملة.  
حتى أو متى غادر نتنياهو المشهد السياسي فلن يؤدي ذلك إلى تغيير هذه السياسات أو تحويل في مجرى الأحداث، فإسرائيل بعد البنيامينية لن تكون كما كانت قبلها، والحلم التاريخي الصهيوني ممتد  أيديولوجياً واستراتيجياً ودينياً، حتى وإن اختلفت التكتيكات، فالنتيجة واحدة، ولا تقوم السياسات الجديدة على تأثير أشخاص مثل بن غافير وسموتريتش فهم ابناء بيئة وحاضنة وليسوا عناصر خارجة عنها.
المتغير الثاني يتمثّل بالانهيار الاستراتيجي العربي الكبير؛ الذي بدأ بالتدحرج، منذ عقود، لكنه وصل إلى مرحلة أخطر منذ عقد ونصف، ما بعد الربيع العربي والتحولات التي حدثت وأدت إلى تفكك وانهيار العديد من الدول العربية وتضغضع الجغرافيا السياسية بأسرها، في سورية والعراق واليمن والسودان وليبيا، حتى بدا وكأنّ الجغرافيا السياسية العربية المتولّدة من الحرب العالمية الأولى قيد التفكك والانهيار، مما خلق فرصة استراتيجية سانحة لإسرائيل للتمدد الحالي، بخاصة بعد تراجع إيران وتفكك نفوذها الإقليمي في العام الأخير، بعد الحرب على غزة.
أمّا المتغير الثالث فهو عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لكن هذه المرحلة بصحبة فريق متصهين ومتيمّن أكثر من الصهيوينة واليمين الإسرائيلي نفسه، ومن الواضح تماماً من خلال ما يحدث من إبادة غير مسبوقة في غزة، والضوء الأخضر (الضمني) للمستوطنين وحكومة نتنياهو في الضفة والقدس والتصريحات الصادرة عن فريقه فيما يتعلق بفلسطين وإيران ولبنان وسورية، أنّنا أمام حالة غير مسبوقة من التحالف الوطيد، الذي قد يكون عضوياً،  بين إدارة أميركية يمينية وصهيونية ويمين إسرائيلي متطرف، بالرغم من السياسات الأميركية المنحازة تاريخياً لإسرائيل لكن لم يصل الوضع إلى هذا المستوى في أيّ مرحلة من المراحل السابقة.
هذه المتغيرات الثلاثة تشكّل بيئة سياسية جديدة، دولياً وإقليمياً، تؤثر على المنظور الاستراتيجي الأردني للمصالح الوطنية والأمن القومي، وتدفع إلى مراجعة القناعات أو التصورات لدى نخب سياسية كانت ترى أنّ في إسرائيل أكثر من طرف يمكن التعامل معه، وأنّ هنالك حدوداً أميركية تضع حداً لليمين الإسرائيلي أو أنّ هنالك مجالاً استراتيجياً وحيوياً عربياً يمكن الاستعانة به لمواجهة هذه التحولات الاستراتيجية الخطيرة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير