ما يجري الآن لن ينتهي وخطط له منذ التسعينات

{title}
أخبار الأردن -

قال مؤسس مجلة المراسل للصحافة البحثية من واشنطن الصحفي عماد الرواشدة إنه لا يمكن اعتبار الحرب المشتعلة اليوم حالة عابرة أو تصعيدًا طارئًا يمكن تطويقه؛ فهي تمثل، في جوهرها، جزءًا من مشروع ممتد يستند إلى رؤية استراتيجية وضعت منذ عقود، تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق معادلة جديدة يكون لإسرائيل فيها اليد العليا.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن التصعيد الراهن في غزة والضفة الغربية لا يُفهم في سياقه الميداني فحسب، وإنما يتوجب ربطه بمنظومة فكرية وأمنية تأسست على تصور شامل للشرق الأوسط، بدأ التنظير له في تسعينيات القرن الماضي.

وبيّن الرواشدة أن بنيامين نتنياهو بالاشتراك مع ريتشارد بيرل، الدبلماسي اليميني السابق في إدارة جورج بوش الابن، صاغا في عام 1996، ما يشبه وثيقة سياسات أو ورقة استراتيجية حملت عنوانًا دالًا: "القطع النظيف: استراتيجية جديدة لتأمين المملكة"، كانت بمثابة الإطار الفكري الذي استُخدم لاحقًا لتبرير السياسات الإسرائيلية والأميركية تجاه المنطقة.

وأشار إلى أن المطلوب من هذه الورقة، كان أولًا ترسيخ الهيمنة الإسرائيلية المطلقة على النظام الإقليمي، بحيث لا تكون إسرائيل مجرد قوة فاعلة، وإنما اللاعب الوحيد القادر على فرض الوقائع وتوجيه مسارات التحول في الشرق الأوسط، وقد تجلى هذا التوجه من خلال السعي إلى القطيعة الكاملة مع اتفاق أوسلو، واعتباره عقبة أمام المشروع الإسرائيلي الاستيطاني التوسعي، فضلًا عن رفض أي صيغة تؤسس لسيادة فلسطينية حتى في إطار الحد الأدنى من الحكم الذاتي.

وفي ذات السياق، برز مفهوم "المطاردة الساخنة" كأداة أمنية واستراتيجية تمنح إسرائيل ما تعتبره "الحق المشروع" في الدخول إلى أي منطقة في الضفة الغربية لتنفيذ عمليات عسكرية تحت مبرر التصدي لمصادر التهديد، وهو ما يُفقد الفلسطينيين السيطرة على أرضهم، ويقوض مبدأ السيادة الوطنية، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

ولفت الرواشدة الانتباه إلى أنه تم تجاوز مبدأ "الأرض مقابل السلام" الذي شكّل ركيزة المفاوضات السابقة، ليُستبدل بمنطق جديد عنوانه "السلام مقابل السلام"، وهو تصور يقوم على أساس الامتناع المؤقت عن العدوان مقابل خضوع سياسي كامل، دون تقديم أي مكاسب ملموسة للطرف الآخر، وقد تحوّلت هذه المعادلة إلى الشعار المفضل للدوائر اليمينية في واشنطن وتل أبيب، وتبنتها لاحقًا إدارة الرئيس دونالد ترامب تحت عنوان "السلام من خلال القوة"، بما يعكس عمق التشابك بين الرؤية الصهيونية والعقيدة الاستراتيجية الأميركية.

وذكر أن سوريا كانت حاضرة في هذه الورقة من خلال تأكيد ما يُعرف بـ"الضربة الوقائية"، إذ رُسّخت فكرة أن لإسرائيل الحق في قصف الأراضي السورية متى ما شعرت بوجود تهديد مفترض، سواء حقيقي أو متخيّل، ما يعني في جوهره ضرب فكرة السيادة الوطنية السورية، وإبقاء سوريا في حالة استنزاف دائم.

ونوّه الرواشدة إلى أن هذا الإطار النظري، الذي وُضع قبل ما يقارب ثلاثة عقود، لم يُدفن في أرشيف مراكز الأبحاث، فقد تحول إلى منهج تطبيقي نُفذ منه الكثير، سواء من خلال إسقاط العراق، أو تفكيك ليبيا، أو إنهاك سوريا، أو محاصرة إيران، والملاحظ أن السياسات الأميركية والإسرائيلية في العقدين الأخيرين تسير بشكل منهجي على هدى هذه الرؤية، التي لا تزال تُنتج نفسها بأدوات مختلفة ولكن بذات الجوهر.

واستطرد قائلًا إن الحرب الجارية ليست سوى تجسيد عياني لتلك النظرية القديمة المتجددة، التي ترى في تفكيك الجغرافيا السياسية العربية شرطًا ضروريًا لبقاء التفوق الإسرائيلي، وفي كسر إرادة المقاومة عنوانًا لاستقرار إقليمي مصطنع، متابعًا أن ما يجري في غزة ليس منفصلًا عن هذا الإطار، ذلك أنه نقطة مفصلية ضمن مسار استراتيجي طويل المدى، يسعى إلى تحويل فلسطين إلى حقل اختبار لتكتيكات الحرب الحديثة، ولشرعنة معادلات القوة على حساب القانون الدولي، وتحويل الإقليم برمته إلى فضاء مرن، يمكن إعادة تشكيله وفقًا لمصالح تل أبيب وواشنطن.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير