الخلاف الإيراني الأمريكي... وساطة موسكو وتعالي طهران

{title}
أخبار الأردن -

قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور محمد الزغول إن موسكو طرحت مقترح وساطة يستهدف إعادة تفعيل قنوات التواصل بين طهران وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في محاولة لتحريك المياه الراكدة في العلاقة بين الطرفين، التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق من التأزم. 

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المعطيات السياسية الراهنة تُشير إلى أن هذه المبادرة لم تلقَ استجابة إيجابية من الجانب الإيراني، حيث بدا الموقف الرسمي في طهران متمسكًا بموقفه الرافض لأي تفاوض مباشر مع واشنطن ما لم يتم رفع العقوبات وإعادة صياغة شروط الحوار بما يتناسب مع المصالح الإيرانية الاستراتيجية. 

وبيّن الزغول أن هذا التجاهل الإيراني للمبادرة الروسية لا يمكن قراءته بمعزل عن جُملة من العوامل المُعقدة التي تداخلت لترسم مسار القرار السياسي الإيراني في هذه المرحلة، فمن ناحية، يُبرز التباين العميق في الرؤى الاستراتيجية بين موسكو وطهران حول آليات التفاوض بشأن الملف النووي أحد أبرز محاور الخلاف، إذ تميل روسيا إلى مقاربة براغماتية ترتكز على تقديم تنازلات محسوبة، بينما ترى إيران أن أي تنازل غير محسوب قد يُضعف موقفها التفاوضي على المدى البعيد، ومن ناحية أخرى، فإن الحسابات الإيرانية تُراعي بشكل دقيق دور العواصم الأوروبية، التي تحاول انتزاع موقع الوسيط المستقل، وهو ما يُعقد أي تحرك إيراني يتماهى كليًا مع الطرح الروسي. 

وأضاف أن البُعد الصيني في المشهد يُشكل عاملًا جوهريًا في الحسابات الإيرانية، حيث تنظر طهران إلى موقف بكين بوصفه عنصر توازن استراتيجي يُحتم عليها عدم الانجرار وراء أي مسار تفاوضي لا يحظى بموافقة الصين، خاصة في ظل حالة الاستقطاب المتزايدة بين واشنطن وبكين. 

ونوّه الزغول إلى أن هذا الفتور الظاهري تجاه المبادرة الروسية، لا يعني استبعادها بشكل قاطع في المدى المنظور، إذ إن احتمالات خضوع إيران لضغوط موسكو تبقى قائمة، لا سيما إذا اشتدت وطأة العزلة الاقتصادية وتصاعدت التحديات الداخلية التي تفرض على القيادة الإيرانية إعادة تقييم خياراتها، وفي المقابل، فإن إدارة ترمب، رغم نهجها المتشدد تجاه طهران، قد تجد في الوساطة الروسية فرصة سانحة لاختبار إمكانية تحقيق اختراق دبلوماسي سريع يُجنبها الدخول في مسار تفاوضي طويل الأمد تفرضه الحسابات الأوروبية. 

وذكر أنه عند استشراف المآلات المحتملة لهذا الدور الروسي، لا بد من التأكيد على أن قدرة موسكو على لعب دور الوسيط الفاعل بين إيران وواشنطن تظل مرهونة بجملة من الاعتبارات الجيوسياسية المعقدة، حيث تسعى روسيا إلى تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع إيران وعدم الإضرار بعلاقاتها التكتيكية مع الولايات المتحدة، وفي هذا السياق، يبدو أن الكرملين يُدرك أن نجاح أي وساطة يتطلب إعادة صياغة المشهد الدبلوماسي الإقليمي والدولي، بما يضمن خلق بيئة تفاوضية مقبولة لجميع الأطراف، غير أن إيران، ورغم تحالفها الوثيق مع موسكو، ليست في وارد منح روسيا تفويضًا مطلقًا للتحرك نيابة عنها، بل ستظل تُدير ملفها التفاوضي وفق مقاربتها الخاصة التي تراعي موازين القوى الداخلية والإقليمية والدولية على حد سواء. 

وأشار الزغول إلى أن المبادرة الروسية، وإن لم تحظَ بقبول إيراني فوري، إلا أنها تظل ورقة دبلوماسية قد تعود إلى الواجهة في لحظة سياسية ملائمة، خاصة إذا فرضت التطورات الميدانية والاقتصادية على إيران إعادة النظر في خياراتها الاستراتيجية، مستطردًا أن موسكو، التي تدرك جيدًا طبيعة التحديات التي تحيط بموقعها كوسيط محتمل، ستواصل محاولاتها لتقديم نفسها بوصفها الطرف القادر على تجسير الهوة بين إيران وواشنطن، مستفيدة من موقعها كقوة دولية تملك هوامش للمناورة بين مختلف الأطراف، لكنها في الوقت ذاته تدرك أن نجاح هذه الوساطة لن يكون سوى نتيجة حسابات أعقد بكثير من مجرد عرض دبلوماسي تقليدي.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير