نزع سلاح المقاومة الفلسطينية: معركة وجودية بين الصمود والتصفية

{title}
أخبار الأردن -

 

د. إبراهيم النقرش

يشكل اليوم نزع سلاح المقاومة الفلسطينية محورًا أساسيًا في الاستراتيجيات الإسرائيلية والدولية، الهادفة إلى إعادة تشكيل الواقع السياسي والأمني لقطاع غزة والشرق الأوسط (العربي) برمته. فمنذ سنوات، تسعى قوى الاحتلال الصهيوني، مدعومة بجهات إقليمية ودولية، إلى فرض نزع سلاح المقاومة العربية كشرط أساسي لأي تهدئة أو تسوية سياسية مستقبلية. وتدرك فصائل المقاومة أن أي خطوة في اتجاه نزع السلاح تعني عمليًا التخلي عن أهم عوامل القوة والصمود في مواجهة الاحتلال الصهيوني.

وقد أثبتت التجارب التاريخية أن المبادرات الدولية المطالبة بنزع السلاح لم تكن تهدف إلى تحقيق السلام بقدر ما كانت تسعى إلى تحييد المقاومة كعقبة أمام الهيمنة الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال، أدّت اتفاقيات أوسلو إلى تفكيك القوة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية، مما جعل السلطة الفلسطينية فاقدة الإرادة، عاجزة عن حماية شعبها والتصدي لجرائم الاحتلال المستمرة، وجعلت منها عصا تَهُش بها على الشعب الفلسطيني. هذه التجربة القاسية دفعت المقاومة في غزة إلى التمسك بسلاحها باعتباره الضمانة الوحيدة للحفاظ على وجودها وشعبها.

ومنذ سنوات تصاعدت الضغوط على المقاومة من مختلف الجهات، حيث استخدمت إسرائيل وحلفاؤها عدة أدوات لمحاولة فرض نزع سلاح المقاومة، من أبرزها الحصار الاقتصادي الذي يخنق قطاع غزة منذ أكثر من 17 عامًا، والمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار كأوراق ضغط تُربط بشروط سياسية وأمنية، لنزع السلاح أو فرض قيود مشددة عليه. كما تسعى الوساطات الدولية إلى فرض تسويات ظاهرها اقتصادي وإنساني، لكن جوهرها يكمن في تحجيم المقاومة وتجريدها من سلاحها تدريجيًا. وتروّج وسائل الإعلام الغربية وبعض العربية لفكرة أن السلاح هو سبب الدمار، متجاهلةً أن الاحتلال وسياساته القمعية والتدميرية هو أصل المشكلة.

ورغم هذه التحديات، تمتلك المقاومة الفلسطينية استراتيجيات واضحة لمواجهة مخططات نزع سلاحها. فهي تؤكد على التمسك بالسلاح مهما كان الثمن، حيث أعلنت مرارًا أن سلاحها ليس محل تفاوض أو مساومة، وأنه الضمانة الأساسية والأكيدة لحماية الشعب الفلسطيني من أي اجتياح إسرائيلي محتمل. كما تعمل المقاومة على تطوير قدراتها العسكرية عبر التصنيع المحلي للصواريخ والأسلحة المستطاعة.

وتدرك المقاومة أن أي اتفاق يتضمّن التخلي عن سلاحها هو خطوة نحو تفكيكها بالكامل. كما تراهن المقاومة على الحاضنة الشعبية، التي رغم المعاناة الناجمة عن الحصار والضغوط السياسية، لا تزال تدعم خيار المقاومة وترفض أي مساعٍ لتفكيكها أو إضعافها.

ولا يمكن النظر إلى محاولات نزع السلاح بمعزل عن التطورات الإقليمية، حيث تسعى بعض الأنظمة العربية إلى تقديم أوراق اعتمادها للغرب وإسرائيل عبر الضغط على فصائل المقاومة لإقناعها بالتخلي عن سلاحها... لينالوا حظوة الغرب ورضاه... لدرجة أن بعض المسؤولين ألمحوا إلى أن سلاح المقاومة هو العقبة أمام الاتفاق في المؤتمرات العربية والدولية.

إن معركة نزع السلاح ليست مجرد قضية أمنية، بل هي معركة وجودية تتعلق بالمشروع الوطني الفلسطيني ككل. فإسرائيل، مدعومةً ببعض القوى الدولية والإقليمية، تدرك أن بقاء المقاومة المسلحة يعني استمرار التحدي لمخططاتها التوسعية، ولذلك تضع تفكيكها على رأس أولوياتها. لكن صمود المقاومة وقدراتها على المناورة وتعزيز حضورها الشعبي والسياسي، كلها عوامل تجعل من نزع سلاحها أمرًا بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلًا.

وعليه، فإن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدًا من الضغوط والمساومات، وتبقى إرادة المقاومة العامل الحاسم في هذه المواجهة الطويلة. إن تخلّي المقاومة الفلسطينية عن سلاحها (لا قدر الله) سيكون له عواقب كارثية على القضية الفلسطينية بأكملها. فبدون سلاح، ستصبح غزة عاجزة عن الدفاع عن نفسها، مما يجعل الاحتلال قادرًا على إعادة احتلال القطاع بسهولة. كما ستتعرض المقاومة لحملة اغتيالات واعتقالات واسعة النطاق، مما يؤدي إلى إبادة قادتها وأنصارها.

وسيؤدي ذلك إلى انهيار الحاضنة الشعبية، حيث يدرك الفلسطينيون أن المقاومة هي خط الدفاع الأخير ضد الاحتلال. إضافةً إلى أن تخلي المقاومة عن سلاحها سيؤدي إلى تراجع موقف الدول العربية، مما يفتح الباب لمزيد من اتفاقيات التطبيع بشروط إملائية إسرائيلية تعصف بالمنطقة. إن القضاء على المقاومة والتخلي عنها يعزز التمدد الإسرائيلي ويهدد الأمن القومي العربي.

رسالتنا للمقاومة: إن تَمسُّك المقاومة بسلاحها هو العامل الرئيسي الذي يمنع الاحتلال من فرض سيطرته ال…

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية