قندح يكتب: رؤية اقتصادية جديدة أم تـصـعـيـد سياسـي؟

{title}
أخبار الأردن -

    د.عدلي قندح

في أول خطاب له أمام الكونغرس منذ عودته إلى الرئاسة، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن «الحلم الأمريكي لا يمكن إيقافه»، مقدمًا رؤية طموحة ومثيرة للجدل لولايته الثانية. شهد الخطاب، الذي يعد الأطول في تاريخ الرئاسة الأمريكية أمام المشرعين، لحظات مشحونة سياسيًا بين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث استعرض ترامب سياساته الاقتصادية والتجارية، ومواقفه من العلاقات الدولية، بالإضافة إلى خططه لمكافحة التضخم وخفض الإنفاق الحكومي.
1. سياسة تجارية تعتمد على التصعيد الجمركي
أحد أبرز محاور خطاب ترامب كان حديثه عن الرسوم الجمركية التي فرضها على كبار الشركاء التجاريين، بما في ذلك كندا والمكسيك والصين. ورغم أن الأسواق شهدت اضطرابًا كبيرًا بسبب هذه القرارات، إلا أن ترامب أكد أن هذه السياسة تهدف إلى «إثراء أمريكا وجعلها عظيمة مرة أخرى».
لكن المثير للاهتمام هو الفتور الذي أظهره بعض الجمهوريين تجاه هذه الإجراءات، حيث لم يحظَ هذا الملف بنفس الحماس الذي لقيته سياسات ترامب الأخرى، مما يعكس الانقسام داخل الحزب الجمهوري حول جدوى الرسوم الجمركية وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكي. وعلى الرغم من تصريحاته المتفائلة، فإن استمرار الحرب التجارية قد يزيد من الضغوط التضخمية ويؤثر على النمو الاقتصادي العالمي.
2. موقف جديد تجاه أوكرانيا: فرصة لإعادة ضبط العلاقات؟
تناول ترامب العلاقة المتوترة مع أوكرانيا، مشيرًا إلى أنه تلقى «رسالة مهمة» من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يعرب فيها الأخير عن استعداده للعمل تحت «قيادة ترامب القوية» للوصول إلى اتفاق سلام. هذا التطور يأتي بعد أن أوقف ترامب جميع المساعدات العسكرية لكييف، وهو قرار أثار قلقًا دوليًا واسعًا.
ورغم أن الخطاب لم يتضمن إعلانًا عن اتفاق جديد، إلا أن إشارة ترامب إلى إمكانية التفاوض تعكس رغبته في إعادة صياغة العلاقة الأمريكية-الأوكرانية بطريقة مختلفة عن إدارة بايدن. ومع ذلك، فإن نجاح أي اتفاق محتمل سيعتمد على موقف روسيا والدول الأوروبية، التي قد تجد نفسها مضطرة إلى لعب دور أكبر في تمويل وتسليح أوكرانيا.
3. التوسع الأمريكي: عودة إلى طموحات الهيمنة؟
في لحظة لافتة من خطابه، كرر ترامب رغبته في الاستحواذ على جزيرة غرينلاند، مؤكدًا أن «أمريكا ستحصل عليها بطريقة أو بأخرى». كما أعلن عن خطط لاستعادة السيطرة على قناة بنما، ما يعكس توجهًا استراتيجيًا نحو تعزيز النفوذ الأمريكي في مناطق جيوسياسية حيوية.
على الجانب الآخر، أشار ترامب إلى عزمه خفض المساعدات الخارجية، مستهدفًا دولًا أفريقية مثل ليبيريا ومالي وموزمبيق وأوغندا، مع التركيز بشكل خاص على ليسوتو، التي وصفها بأنها «بلد لم يسمع عنه أحد» رغم تلقيها ملايين الدولارات لتعزيز حقوق المثليين. هذه التصريحات تعكس توجهًا انعزاليًا يهدف إلى تقليل الإنفاق الأمريكي في الخارج، لكنه قد يؤدي إلى توتر في العلاقات مع الدول النامية.
4. دعم ماسك وسط احتجاجات بسبب تقليص الوظائف الحكومية
في لفتة تعكس تحالفه مع قادة الأعمال، أشاد ترامب بالملياردير إيلون ماسك، الذي كان حاضرًا في القاعة، حيث يقود الأخير جهودًا واسعة لتقليص حجم الحكومة الفيدرالية من خلال «وزارة كفاءة الحكومة» (Doge). رغم موجة التسريحات الواسعة التي أشرف عليها ماسك، والتي أثارت غضب الموظفين والنواب الديمقراطيين، فإن ترامب أكد دعمه الكامل له، مشيرًا إلى أن خطط التقشف الحكومي ضرورية لتقليل الإنفاق العام.
5. صدام حاد مع الديمقراطيين: احتجاجات واعتراضات صاخبة
لم يكن الخطاب خاليًا من التوتر السياسي، حيث شهد عدة لحظات من الاشتباك اللفظي بين ترامب والديمقراطيين. أحد أبرز الأحداث كان طرد النائب الديمقراطي آل غرين من القاعة بعد مقاطعته للرئيس، بينما حمل أعضاء ديمقراطيون لافتات مكتوب عليها «هذه كذبة». كما لجأت النساء الديمقراطيات إلى ارتداء بدلات وردية في إشارة احتجاجية ضد سياسات ترامب، فيما انسحب بعض النواب من الجلسة تعبيرًا عن رفضهم لخطابه.
وفي الرد الرسمي للحزب الديمقراطي، اتهمت السيناتورة إليسا سلوتكين ترامب بتقديم «هدايا غير مسبوقة لأصدقائه المليارديرات» وحذرت من أن سياساته قد «تدفع الاقتصاد نحو الركود». هذا التوتر يعكس استمرار حالة الاستقطاب الحاد في المشهد السياسي الأمريكي، والذي قد يؤثر على قدرة الإدارة على تمرير سياساتها في الكونغرس.
6. الرهان على الطاقة لكبح التضخم
تعهد ترامب بخفض التضخم من خلال زيادة إنتاج النفط والغاز، مؤكدًا أن «أمريكا تمتلك ذهبًا سائلاً أكثر من أي دولة أخرى، وسنستخرجه بكل قوة». كما انتقد الرئيس السابق جو بايدن بسبب ارتفاع أسعار البيض، معتبرًا أن إدارته فشلت في التعامل مع التضخم الغذائي.
ورغم أن معدل التضخم قد انخفض إلى 3% مقارنة بذروته في 2022، إلا أن معدل رضا الأمريكيين عن أداء ترامب الاقتصادي لا يزال منخفضًا، حيث أظهر استطلاع حديث أن ثلث المواطنين فقط يوافقون على طريقة تعامله مع أزمة غلاء المعيشة.
ختامًا: رؤية ترامب – بين الحلم الأمريكي والتحديات العالمية
يعكس خطاب ترامب أمام الكونغرس توجهاته الحاسمة نحو تعزيز السيادة الاقتصادية، وخفض التدخلات الخارجية، وإعادة تشكيل التحالفات العالمية. لكن تبقى التحديات كبيرة، فسياساته التجارية قد تؤدي إلى اضطرابات اقتصادية، ورؤيته للعلاقات الدولية قد تفتح الباب أمام تحولات غير متوقعة في التوازنات العالمية.
مع استمرار الانقسامات السياسية الداخلية، يبدو أن ترامب يراهن على قاعدة دعمه القوية داخل الحزب الجمهوري، لكنه سيواجه معارضة شرسة من الديمقراطيين والمجتمع الدولي. السؤال الأهم الآن: هل ستنجح هذه السياسات في تحقيق وعوده بجعل «الحلم الأمريكي لا يمكن إيقافه»، أم أنها ستؤدي إلى مزيد من العزلة والتحديات الاقتصادية؟


 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية