انفراجة قريبة... الزيود يحلل لـ"أخبار الأردن" خطاب الملك

{title}
أخبار الأردن -

قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور إسماعيل الزيود إن البطالة اليوم تعدّ إحدى الإشكاليات الأكثر تعقيدًا في النسيج الاجتماعي الأردني، إذ إنها لا تقتصر على كونها معضلة اقتصادية محضة، بقدر ما يجب النظر إليها على أنها ممتدة الجذور في أعماق التكوين الاجتماعي، حيث تتقاطع مع متغيرات متعددة تشمل الاستقرار السياسي، والنمو الاقتصادي، والحراك الاجتماعي، ومستويات الثقة العامة بمؤسسات الدولة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الارتفاع المضطرد في معدلات البطالة، لا سيما بين فئة الشباب، أضحى عاملًا حاسمًا في إعادة تشكيل أنماط الوعي الجمعي، وتوجيه بوصلة السلوك الاجتماعي، وإعادة إنتاج التصورات الفردية والجماعية حيال المستقبل.

ورأى الزيود أن حديث جلالة الملك، الذي حمل في طياته تأكيدات واضحة بشأن قرب الانفراجة الاقتصادية، تجاوز في تأثيره الخطاب المطمئن، إلى محطة محورية في إعادة تشكيل المشهد الاجتماعي والاقتصادي على حد سواء، فمن خلال تأكيد جلالته إدراك الدولة العميق لحجم التحديات القائمة، وأن مرحلة التعافي ليست بعيدة، بات من الممكن الحديث عن تحول في المزاج العام، حيث استعاد المواطن شيئًا من الثقة التي شكلت على الدوام الأساس المتين للعقد الاجتماعي بين القيادة والشعب.

وأشار إلى أن هذه الرسالة جاءت في توقيت بالغ الحساسية، حيث يعايش المجتمع الأردني حالة من الترقب المشوب بالحذر، في ظل مشهد إقليمي شديد التعقيد، وتداخلات اقتصادية عالمية جعلت الفرد الأردني يعيد تقييم خياراته في ضوء معادلات أكثر تشابكًا من أي وقت مضى، فالاقتصاد منظومة إنتاج واستهلاك من جانب، وبنية متشابكة تتداخل فيها العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية من جانبٍ آخر، ما يحتّم على الأفراد تكوين مقاربات أكثر مرونة للتعامل مع هذه المتغيرات.

ولفت الزيود الانتباه إلى أن المواطن الأردني، بحكم موقع بلاده الجيوسياسي الحساس، بات يتمتع بنسق تفكير تحليلي، يجعله قادرًا على استقراء الاتجاهات الكبرى التي ستحدد ملامح المرحلة المقبلة، وبينما يواجه هذا المواطن تحديات آنية مرتبطة بتأمين متطلبات الحياة الأساسية، فإنه في الوقت ذاته يستشرف الأفق الأوسع، مدركًا أن الأزمات الراهنة ليست معزولة عن السياق العالمي.

واستطرد قائلًا إن الاستقرار السياسي هو القاعدة الصلبة التي ينبثق منها الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، فالمجتمعات التي تمتلك مناعة سياسية قوية تكون أكثر قدرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية، وأكثر استعدادًا لتوليد حلول مبتكرة تتلاءم مع طبيعة التحولات المتسارعة، ومن هذا المنطلق، فإن الوعي الشعبي بأهمية التماسك الوطني والانخراط في الفضاء العام، لا بوصفه خيارًا هامشيًا، بل باعتباره ضرورة استراتيجية، أصبح أحد المفاصل الرئيسة في صياغة مستقبل التنمية في الأردن.

وأضاف الزيود أن البطالة هي غياب الفرص، وحالة مركّبة تستدعي تفكيكًا معمّقًا لطبيعة العلاقة بين التعليم وسوق العمل، وبين السياسات الاقتصادية وطبيعة المخرجات التنموية، وبين التوزيع العادل للموارد والاستثمار الأمثل للإمكانات البشرية، ومن هنا، جاءت رسالة جلالة الملك في سياقها الطبيعي، حيث مثلت إعادة توجيه للخطاب العام نحو مقاربة أكثر شمولية، تستند إلى رؤية طويلة الأمد، توازن بين الاستجابة للتحديات الآنية، والتخطيط الاستراتيجي لتعزيز قدرة الدولة والمجتمع على تجاوز الأزمات.

ولفت الانتباه إلى أن المواطن الأردني لا يتعامل مع هذه التحديات من زاوية محلية بحتة، فهو يدرك أنها جزء من مشهد عالمي أشمل، تسوده حالة من الشد والجذب بين القوى الاقتصادية الكبرى، ما ينعكس بشكل مباشر على اقتصادات الدول النامية، إلا أن ما يميز المجتمع الأردني هو ذلك التوازن الفريد بين الإدراك الحاد لتعقيدات الواقع، والقدرة على التكيف معه دون فقدان الأمل، فعلى الرغم من شدة التحديات، يظل التفاؤل الواعي جزءًا أصيلًا من البنية الذهنية الأردنية، حيث يرتبط هذا التفاؤل بإدراك أن أي تحسن في البيئة الإقليمية، سواء من خلال التهدئة السياسية أو المصالحات الاقتصادية، سينعكس إيجابيًا على الداخل الأردني، فاتحًا المجال أمام مسارات جديدة للنمو والاستقرار.

وتابع الزيود أن الأردن يقف عند نقطة تحوّل حاسمة، تستوجب تبني استراتيجيات أكثر مرونة وقدرة على الاستجابة للمتغيرات العالمية، مع التأكيد على أن التحديات، مهما بلغت تعقيداتها، لا تعدو كونها محطات انتقالية نحو فضاء أرحب من الفرص، مضيفًا أن التاريخ يؤكد بأن المجتمعات التي تنجح في تجاوز الأزمات هي تلك التي تمتلك القدرة على تحويل التحديات إلى محفزات للتجديد والتكيف والتطور.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية