العتوم لـ"أخبار الأردن": ما ستلجأ إليه إيران قد يورط الشرق الأوسط بأكمله

{title}
أخبار الأردن -

 

قال رئيس برنامج الدراسات الإقليمية في مركز الشرق الأوسط للدراسات الأستاذ الدكتور نبيل العتوم إن السلوك الإيراني في المرحلة الراهنة يسعى لتحسين شروط التفاوض، وهو أمر يتبدى بوضوح عند استقراء المسار العام لنهج طهران، الذي يستند في جوهره إلى ازدواجية مقصودة تجمع بين الخطاب الأيديولوجي الراديكالي والتكتيكات البراغماتية على أرض الواقع.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الازدواجية، وإن بدت متناقضة في ظاهرها، أضحت سمة ثابتة في السياسة الخارجية الإيرانية، تتقاطع عندها الشعارات الثورية مع الحسابات الواقعية الدقيقة، ففي الوقت الذي دأبت فيه طهران على إذكاء خطاب التحدي والمواجهة، عمدت بالتوازي إلى إبداء قدر لافت من المرونة السياسية، يشي – في قراءته العميقة – بنزوع إيراني متزايد نحو استدراج مسار تفاوضي جديد مع الولايات المتحدة والقوى الغربية.

ووصف العتوم هذا النزاع بأنه بلغ حد "استدرار" المفاوضات، في ضوء إدراك الإيرانيين – عن كثب – للانعكاسات الكارثية التي قد تترتب على أي عملية عسكرية تنفذها إسرائيل بضوء أخضر أمريكي، قد يتجاوز حدود الإيماءة السياسية إلى الانخراط اللوجستي والاستخباراتي.

وأشار إلى أنه يمكن التماس ارتكاز التحركات الإيرانية الأخيرة على مسارين استراتيجيين متداخلين، هما التصعيد النووي المحسوب، إذ
أمعنت طهران، منذ انحراف المفاوضات النووية عن مسارها، في انتهاج سياسة "الضغط النووي المضاد"، مُستثمرةً حالة الفراغ التفاوضي لتكريس واقع نووي جديد، يُعيد ضبط معادلات الردع ويقلب معادلة التوازنات التفاوضية رأساً على عقب، مشيرًا إلى أن إيران رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى سقوف غير مسبوقة، بلغت 60%، وهي نسبة تقترب – بوضوح مقلق – من عتبة التخصيب العسكري، كما تجاوزت الكميات المخزنة حاجز 300 غرام من اليورانيوم عالي التخصيب، وهي كمية تفوق بمئات المرات الحدود المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة، وذلك تزامنًا مع إدخال أجهزة طرد مركزي متطورة من طراز "IR-6"، تعزز من قدرة إيران على تسريع عمليات التخصيب متى اقتضت الضرورة. إلى جانب تعطيل طهران منظومة الرقابة الدولية جزئيًا، عبر حجب 26 كاميرا مراقبة من أصل 72 كاميرا تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما شكل رسالة مزدوجة: إظهار القدرة على التصعيد النووي، مع الإبقاء على مساحة للمناورة والعودة إلى الالتزام مستقبلًا.

ولفت العتوم الانتباه إلى المسار الثاني، ألا وهو مسار "التلويح بالقوة" عبر قناتين متوازيتين هما الردع المباشر والاستعراض العسكري، من خلال اعتماد طهران إظهار قدراتها الصاروخية والباليستية، وإجراء مناورات تكتيكية تُحاكي استهداف حاملات الطائرات، فضلًا عن تكثيف عمليات تطوير الطائرات المسيّرة، التي باتت تمثل ذراعًا استراتيجية ضمن منظومة الردع الإيرانية، مع ما رافق هذه التحركات حملة تصريحات لمسؤولين عسكريين، أكدوا خلالها مضاعفة المخصصات العسكرية بنسبة تفوق 200%، في محاولة لإقناع الداخل والخارج بأن إيران ماضية في تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية، مهما كان الثمن.
وأشار إلى القناة الثانية، وهي الردع بالوكالة (الردع غير المباشر)، من خلال لجوء إيران إلى تفعيل أدواتها الإقليمية، وتحريك وكلائها وأذرعها في مناطق التوتر، وتحديدًا في اليمن والعراق، إذ ظهرت دعوات صريحة من قبل قيادات الحوثيين، وقيادات فصائل عراقية، للتأهب لـ"منازلة كبرى"، بما يكرس انطباعًا بأن أي استهداف لإيران قد يفجر المنطقة بأكملها.

واستطرد قائلًا إن القراءة الموضوعية للواقع الميداني تكشف أن هذه الاستراتيجية الردعية، رغم ضجيجها الإعلامي، تنطوي على قدر كبير من الهشاشة، فالغارة الإسرائيلية التي استهدفت منظومات الدفاع الجوي الإيراني في 26 أكتوبر، كشفت عن اختراق خطير لقدرات إيران الدفاعية، بحيث فقدت طهران توازنها الاستراتيجي لبعض الوقت، وتراجعت مضطرةً عن تنفيذ عملية "الوعد الصادق 3"، التي كانت قد هددت بها سابقًا، إذ إن هذا التراجع لم يمر مرور الكرام، فقد أثار موجة واسعة من السخرية على منصات التواصل الاجتماعي الناطقة بالفارسية، حيث تساءل البعض: "أين ذهب الوعد الصادق 3؟"، فيما تهكم آخرون بقولهم: "خدا رحمتش كند" – أي "رحمه الله"، في تعبير ساخر عن انهيار الهيبة الردعية الإيرانية.

وأشار العتوم إلى أن إيران – برغم محاولاتها إظهار القوة – باتت تدرك أن كلفة المواجهة العسكرية تفوق قدرتها على التحمل، ما دفعها إلى استخدام هذه التحركات الاستعراضية ورقةً تفاوضية، الهدف منها تعزيز موقعها على طاولة المفاوضات، واستدراج عروض غربية أفضل، سواء فيما يتعلق بالعقوبات أو بتخفيض مستوى التهديدات العسكرية.

واختتم حديثه بالقول إن طهران تسعى إلى الإيحاء بامتلاكها أوراقًا ضاغطة، فإن الحقيقة الأعمق تشير إلى أنها، اليوم أكثر من أي وقت مضى، في موقع ضعف استراتيجي، فرض عليها إعادة التموضع بين مطرقة الضغوط الداخلية، وسندان التهديدات الخارجية، في معادلة بالغة التعقيد، قد تدفعها – عاجلًا أو آجلًا – إلى تجرّع "كأس الواقعية السياسية"، والجلوس إلى طاولة التفاوض بشروط أقل بكثير مما كانت تطمح إليه.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية