بني مصطفى يكتب: نظرة على التصنيف الائتماني للأردن
بقلم الدكتور عمر ارحيل بني مصطفى
يُعتبر التصنيف الائتماني من الأدوات الرئيسية التي يعتمد عليها المقرضون والمستثمرون في تحديد قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية، وله تأثير كبير على تكلفة الاقتراض من الأسواق الدولية. بالنسبة للأردن، يُعد التصنيف الائتماني عاملًا حاسمًا في جذب الاستثمارات وتحقيق الاستقرار المالي. في السنوات الأخيرة، شهد التصنيف الائتماني للأردن بعض التحسن، لكنه لا يزال يعكس تحديات اقتصادية كبيرة تحتاج إلى معالجة مستدامة. في هذا السياق، سنستعرض تطورات التصنيف الائتماني للأردن حتى بداية عام 2025، مع التركيز على العوامل المؤثرة، التوقعات المستقبلية، وحلول تحسين التصنيف الائتماني.
في مايو 2024، قامت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني برفع تصنيف الأردن من B1 إلىBa3 ، مما يعكس تحسنًا ملحوظًا في الاستقرار المالي والإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة الأردنية. وأبقت الوكالة على النظرة المستقبلية مستقرة، وهو ما يشير إلى استمرار التحسن المتوقع في الأداء الاقتصادي على المدى المتوسط. في الوقت ذاته، قامت وكالة Global "S&P Ratings"برفع تصنيف الأردن من B+ إلى BB- في سبتمبر 2024، مما يعكس قدرة الاقتصاد الأردني على مواجهة التحديات الإقليمية والمحلية. ويُعتبر هذا الرفع خطوة مهمة نحو تعزيز الثقة في الاقتصاد الأردني على الصعيدين المحلي والدولي.
من أبرز العوامل المؤثرة في التصنيف الائتماني للأردن هو حجم الدين العام، الذي شهد زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة. في عام 2024، وصل الدين العام الأردني إلى نحو 44.6 مليار دينار أردني، بما يعادل حوالي %98 من الناتج المحلي الإجمالي، مما يمثل تحديًا كبيرًا للمالية العامة في المملكة. ويُعتبر هذا الرقم من بين أعلى المعدلات في المنطقة، مما يضع ضغطًا على قدرة الحكومة على تسديد ديونها في المستقبل. هذا الدين يتكون من ديون محلية وأجنبية، ويؤثر على تصنيف الأردن الائتماني من خلال زيادة تكاليف خدمة الدين، ويحد من قدرة الحكومة على تنفيذ مشاريع تنموية جديدة.
على الرغم من هذه الضغوط المالية، أظهرت الأردن مرونة نسبية في مواجهة التحديات الاقتصادية الإقليمية. على سبيل المثال، فإن استمرار الصراعات في المنطقة مثل النزاع في سوريا وفلسطين قد ألحق أضرارًا بالاقتصاد الأردني من خلال زيادة تكلفة الاستيراد وتأثيره على التجارة الإقليمية. لكن الحكومة الأردنية اتخذت عددًا من الإجراءات لتحسين الاستقرار المالي، مثل تنفيذ برنامج إصلاحي بالتعاون مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. حيث شهدت الحكومة الأردنية تحسنًا في قدرتها على جذب التمويل من الأسواق العالمية، كما تم توقيع اتفاقيات لتمويل مشاريع تنموية تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني.
من التوقعات التي تظهر حتى بداية عام 2025، يتوقع أن يحافظ الأردن على مستوى تصنيفه الائتماني الحالي إذا استمرت الحكومة في تنفيذ سياسات مالية ضابطة. وفي حالة استمرار الإجراءات الإصلاحية وزيادة التنوع الاقتصادي، يمكن أن يتوقع الأردن تحسينًا إضافيًا في تصنيفه الائتماني. وتُظهر البيانات المالية من البنك المركزي الأردني أن احتياطيات الأردن من العملات الأجنبية قد تحسنت بشكل طفيف في الأشهر الأخيرة، لتصل إلى حوالي 18.2 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2024، مما يعزز القدرة على دعم العملة المحلية ومواجهة الأزمات الاقتصادية.
مع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبرى، مثل زيادة الدين العام، التي تظل عاملًا مؤثرًا في التصنيف الائتماني. من أجل معالجة هذه المشكلة، يتعين على الحكومة الأردنية العمل على تقليل العجز المالي من خلال خفض الإنفاق الحكومي وتحسين كفاءة جمع الضرائب. بحسب تقرير وزارة المالية لعام 2024، فإن العجز المالي للأردن وصل إلى 2.5 مليار دينار أردني، ويُتوقع أن يستمر هذا العجز إلا إذا تم اتخاذ إجراءات صارمة لتحسين الإدارة المالية.
من أجل تعزيز التصنيف الائتماني، يجب على الحكومة الأردنية التركيز على مجموعة من السياسات والإصلاحات الهيكلية. أولًا، يجب تحسين إدارة الديون من خلال استراتيجيات لخفض حجم الديون قصيرة الأجل وتحويلها إلى ديون طويلة الأجل،
مما يقلل من الضغط على موازنة الحكومة. ثانيًا، يجب زيادة استثمارات القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد الوطني، بحيث لا يبقى الاقتصاد الأردني معتمدًا بشكل كبير على قطاعات محدودة مثل السياحة وتحويلات المغتربين. أيضًا، ينبغي للحكومة التركيز على زيادة كفاءة القطاع العام وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار.
في الختام، يُعتبر التصنيف الائتماني للأردن مؤشرًا حيويًا على صحة الاقتصاد الوطني وقدرته على مواجهة التحديات. وعلى الرغم من وجود تحديات مثل ارتفاع الدين العام والعجز المالي، إلا أن الأردن أظهر قدرة على التكيف مع الظروف الاقتصادية الإقليمية الصعبة. إذا استمرت الحكومة في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز الاستقرار المالي، فإن الأردن يمكن أن يشهد تحسنًا في تصنيفه الائتماني في المستقبل القريب.

