هل يتكرر سيناريو قمة القاهرة 1990؟... المقابلة يوضح لـ"أخبار الأردن"
قال الباحث والناشط السياسيّ الدكتور معن المقابلة إن القمة العربية التي انعقدت في القاهرة يومي التاسع والعاشر من آب/ أغسطس عام 1990 مثّلت نقطة انعطاف مفصلية ذات تداعيات كارثية على المنطقة، إذ لم تكن مجرد اجتماع تقليدي بقدر ما شكلت علامة فارقة أفضت إلى ترسيخ الهيمنة الأمريكية المباشرة على الإقليم، بعدما أطلقت قراراتها العنان لنزول آلاف الجنود الأمريكيين والغربيين إلى المنطقة، لكن هذه المرة بجواز سفر عربي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا المشهد يعكس بجلاء مدى هشاشة بعض الأنظمة، وانكشاف عجزها المطبق عن إدارة شؤونها الداخلية والخارجية بمعزل عن التدخلات الخارجية، التي أضحت بمرور الوقت جزءًا في معادلة الحكم والاستقرار داخل العواصم العربية.
وبيّن المقابلة أن الأنظار تتجه إلى القمة العربية المرتقبة في القاهرة، المقررة يوم الخميس الرابع من آذار/ مارس 2025، وسط تسريبات توحي بأن سياقاتها لا تختلف كثيرًا من حيث الجوهر عن سابقتها، وإن تغيرت الأدوات والمسميات، فبينما ارتكزت خطة الرئيس الأمريكي ترامب على تهجير سكان قطاع غزة نحو الأردن ومصر، تأتي الطروحات الراهنة في إطار إعادة إنتاج المشروع ذاته ولكن بصياغة أكثر نعومة، إذ يتم الحديث عن إعادة إعمار غزة، شريطة الالتزام بعدم تهجير سكانها، في مقابل نزع سلاح المقاومة، وإقصاء حركة (حماس) من المشهد السياسي والأمني برمته، بما يكرس معادلة "السلام الأمني" التي لطالما سعت تل أبيب لفرضها أمرًا واقعًا.
وأشار إلى ما هو أعمق وأكثر خطورة، إذ يبدي الكيان الصهيوني رفضًا قاطعًا لأي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة القطاع، إدراكًا منه بأن تمكينها هناك سيعيد إحياء مفهوم الوحدة الفلسطينية، بما قد يفتح – ولو نظريًا – نافذة لإحياء مشروع الدولة الفلسطينية، وهو الأمر الذي لم يكن يومًا جزءًا من أجندة تل أبيب، بل على العكس، فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بما فيها الإدارة الحالية، كرست رؤيتها المتماهية مع الرؤية الصهيونية في استبعاد هذا المشروع بالكامل من أي أفق سياسي مستقبلي.
وأعرب المقابلة عن خشيته من أن ما سيحدث في القمة المقبلة قد يكون إعادة إنتاج لمشهد 1990، ولكن بأسلوب أكثر سريالية، حيث يجري الإجهاز الممنهج على آخر الأوراق التي يمتلكها العرب، مع فارق جوهري؛ إذ لن يكون هناك ضجيج أو صراخ كما حدث آنذاك، بل سيتم دمج الكيان الصهيوني في النسيج الإقليمي، وتنصيبه قائدًا بلا منازع، في إطار هندسة إقليمية جديدة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية نهائيًا، تحت مظلة أمريكية لا تخفي انحيازها المطلق.
ولفت الانتباه إلى أن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح مرتبط بفلسطينيي الشتات، وما إذا كانت ستتحرك لتشكيل كيان جامع ينبثق عن مؤتمر عالمي، يناط به دعم المقاومة بكافة أشكالها، بما في ذلك المسلحة التي كفلتها الشرائع الدولية، وتفعيل قنوات التواصل مع الحكومات ودوائر صنع القرار في الدول الصديقة والمناصرة، مضيفًا أن استمرار النخب الفلسطينية في حالة الانكفاء والتخلي عن مسؤولياتها الوطنية، وترك القضية في الداخل لقوى أضحت، بحكم الواقع، أدوات بيد الاحتلال لإجهاض المشروع الوطني الفلسطيني، فإن ذلك يمثل وصمة عار تاريخية لا يمكن غفرانها.
واستطرد المقابلة قائلًا إن فلسطين لم تعد تحتمل مزيدًا من بيانات الشجب والاستنكار، ولا مؤتمرات النحيب والعويل، فما تحتاجه فلسطين اليوم ليس سوى فعل منظم، تتصدره عقولها وسواعدها المغيبة، قبل أن تطوى صفحتها نهائيًا تحت أنقاض قمم متوالية، ومبادرات مصممة على مقاس الاحتلال، وتواقيع عربية توثق فصول الهزيمة بأدوات دبلوماسية خادعة.

