الحوراني يكتب: تحديات تبني الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية في الدول النامية
حسام الحوراني
تُعد التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية من أبرز الابتكارات التي تمتلك القدرة على إحداث تحولات جذرية في العالم. ومع ذلك، تواجه الدول النامية تحديات معقدة تعيق تحقيق الاستفادة الكاملة من هذه التقنيات. هذه التحديات لا تتوقف عند حدود البنية التحتية التقنية، بل تمتد لتشمل قضايا اقتصادية، اجتماعية، وسياسية، مما يتطلب وضع حلول شاملة واستراتيجيات فعالة للتغلب عليها وفتح آفاق جديدة للتنمية.
أحد أبرز التحديات هو نقص البنية التحتية التكنولوجية المتقدمة اللازمة لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية الخاصة بالدول او بالشركات ومراكز الابحاث في جميع المجالات مثل المجالات الطبية او الهندسية او الصناعية وغيرها. في حين أن الدول المتقدمة تمتلك شبكات فائقة السرعة ومراكز بيانات متطورة جدا، تجد الدول النامية نفسها تكافح لتوفير اتصال إنترنت مستقر وميسر للجميع او بناء انظمة بسيطة لدعم التحول الرقمي وغيرها الكثير. هذا الفارق يضع الدول النامية في موقف صعب، حيث تصبح التقنيات الحديثة محصورة في نطاق محدود بدلاً من أن تكون متاحة لشرائح أوسع من المجتمع.
التحدي الثاني يتمثل في نقص الكوادر البشرية المؤهلة. يحتاج الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية إلى مهارات متقدمة في البرمجة، وعلوم الحاسوب والعلوم المساندة . في الدول النامية، غالباً ما تفتقر النظم التعليمية إلى البرامج التي تواكب هذه المتطلبات، مما يؤدي إلى نقص حاد في الكفاءات المحلية. النتيجة هي اعتماد مفرط على الكوادر الأجنبية، مما يزيد من التكاليف ويؤخر التقدم.
من جهة أخرى، يعد التمويل عقبة رئيسية أمام تبني هذه التقنيات. إن الاستثمار في البنية التحتية والأبحاث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية يتطلب ميزانيات ضخمة، وهو ما قد لا يكون متاحاً لمعظم الدول النامية التي تعاني من أولويات اقتصادية واجتماعية أخرى مثل الفقر والتعليم والرعاية الصحية. في هذا السياق، تصبح المبادرات الحكومية والشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الدولية ضرورة لتجاوز هذا التحدي.
التحديات لا تتوقف عند هذا الحد؛ فهناك بعد ثقافي واجتماعي يعيق تبني التقنيات الحديثة. غالباً ما يواجه الذكاء الاصطناعي شكوكاً وتساؤلات حول تأثيره على فرص العمل، خصوصاً في الاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على العمالة اليدوية. هذه المخاوف تخلق مقاومة اجتماعية تحول دون اعتماد التقنيات على نطاق واسع، ما لم يتم توعية المجتمعات بأهمية هذه الابتكارات وكيف يمكن أن تسهم في خلق فرص عمل جديدة بدلاً من تدمير القديمة.
تأتي التحديات التنظيمية والسياسية لتضيف طبقة أخرى من التعقيد. تحتاج التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية إلى أطر قانونية وتنظيمية تضمن استخدامها بشكل أخلاقي ومسؤول. في الدول النامية، غالباً ما تكون القوانين غير موجودة اصلا او غير محدثة أو غير كافية للتعامل مع مثل هذه التقنيات، مما يترك الباب مفتوحاً لسوء الاستخدام أو الاحتكار من قبل جهات معينة.
رغم كل هذه التحديات، هناك فرص واعدة يمكن استغلالها. الدول النامية تمتلك موارد بشرية شابة ومتحمسة، وإذا تم استثمارها بشكل صحيح، يمكن أن تصبح ركيزة أساسية في رحلة تبني الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية. كذلك، يمكن للتعاون الإقليمي والدولي أن يلعب دوراً محورياً في تسريع تبني هذه التقنيات، من خلال نقل المعرفة، توفير التمويل، وبناء القدرات المحلية.
ان التحديات التي تواجه الدول النامية في تبني الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية ليست مستعصية على الحل، لكنها تتطلب رؤية استراتيجية وإرادة سياسية وعمل جماعي. إذا تم التغلب على هذه العوائق، يمكن لهذه التقنيات أن تكون أداة قوية لدفع التنمية المستدامة وتحقيق قفزة نوعية نحو مستقبل أفضل.

