رسالة الملك المبطنة لفاقدي القيمة والضمير
قال الوزير الأسبق فيصل الرفوع إنه لا يمكن النظر للقاء جلالة الملك مع المتقاعدين العسكريين والأمنيين على أنه مناسبة بروتوكولية أو تجمع عابر في سياق تواصل الدولة مع مختلف شرائحها، فهو كان بمثابة محطة مفصلية تنطوي على أبعاد استراتيجية دقيقة تستدعي التوقف عندها مليًّا، بالنظر إلى ما حملته من رسائل سياسية وعسكرية ووطنية تتجاوز إطارها المباشر إلى فضاء أوسع من التحديات الإقليمية والتحولات الدولية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن اتخاذ القرارات المصيرية أو الإعلان عن المواقف المفصلية ووفق تقاليد راسخة في الحكم الهاشمي، لا يتم بمعزل عن المؤسسة العسكرية، نظرًا إلى مركزية دورها في تشكيل بنية الدولة وضمان استقرارها، وهو نهج سارت عليه القيادة الهاشمية إدراكًا منها لخصوصية العلاقة بين الدولة وأركانها السيادية الصلبة، وعلى رأسها الجيش العربي، الذي كان وما زال يشكل صمام الأمان الأول في معادلة الأمن القومي الأردني.
وليس أدلّ على ذلك من أن الملك الحسين، رحمه الله، عندما كانت تتلبد في الأفق نذر المخاطر الإقليمية والدولية، كان يلجأ إلى المؤسسة العسكرية ليعلن من قلبها مواقف الأردن الحاسمة، سواء تعلق الأمر بتهديدات خارجية أو تحديات داخلية، ما يؤكد أن هذا النهج يعد امتدادًا لقراءة استراتيجية لطبيعة التحديات ومتطلبات مواجهتها، وفقًا لما صرّح به الرفوع لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ولقت الانتباه إلى الظرفية الدقيقة التي جاء فيها لقاء جلالة الملك بالمتقاعدين العسكريين، وما سبقها من تطورات لافتة، خصوصًا اللقاء الذي جمعه بالرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، وما تلاه من محاولات ممنهجة لتشويه تصريحاته عبر نقل غير دقيق لمضمون حديثه، والذي دفع وسائل الإعلام الأمريكية ذاتها إلى تصحيحه لاحقًا بعد أن تبيّن زيف الادعاءات التي طالت الموقف الأردني، فإن هذا اللقاء لم يكن مجرد إعادة تأكيد على الثوابت الأردنية، وإنما كان رسالة مباشرة إلى الداخل والخارج بأن الأردن، رغم كل الضغوط، قادر على حماية مصالحه السيادية واتخاذ قراراته بمعزل عن أي إملاءات، مستندًا في ذلك إلى قاعدته الوطنية الصلبة، ممثلة في جيشه العربي، الذي لا يزال يشكل بكتلته البشرية، المكونة من أكثر من 350 ألف متقاعد عسكري، قوة وطنية ذات خبرة قتالية وعقيدة عسكرية راسخة، تجعل منه أحد أهم أركان الاستقرار وأدوات الردع في مواجهة أي تهديد محتمل.
وذكر الرفوع أن الخطاب الذي أطلقه جلالة الملك من قلب المؤسسة العسكرية لم يكن موجهًا فقط للداخل الأردني، وإنما حمل في طياته رسالة أوسع إلى الإقليم والعالم، مفادها أن الأردن ليس طرفًا هامشيًا في معادلات المنطقة، ولا كيانًا يمكن تجاوزه عند رسم الخطوط العريضة للتحولات الإقليمية، فهو دولة محورية تمتلك من عناصر القوة ما يمكّنها من الدفاع عن مصالحها الحيوية والتصدي لأي محاولة لفرض واقع جديد لا يتسق مع مصالحها الوطنية، ومن هذا المنطلق، فإن استدعاء الذاكرة التاريخية، عبر الإشارة الضمنية إلى معركة الكرامة وحرب الاستنزاف التي خاضها الجيش الأردني بين عامي 1967 و1969، لم يكن مجرد استرجاع لأحداث ماضية، وإنما تأكيد على أن الأردن، الذي أثبت في محطات سابقة قدرته على الصمود والمواجهة، لا يزال يمتلك الإرادة والإمكانات التي تمكّنه من الحفاظ على سيادته واتخاذ قراراته بعيدًا عن أي ضغوط خارجية.
وإزاء هذا المشهد، يصبح من الواضح أن جلالة الملك، عبر هذا اللقاء، أعاد ترسيخ معادلة جديدة في التعاطي مع التحديات الراهنة، مفادها أن الأردن ليس الحلقة الأضعف في المنطقة، وأنه ليس دولة تبحث عن الحماية بقدر ما هو كيان يمتلك أدوات القوة الذاتية التي تمكنه من الدفاع عن استقراره وحماية مصالحه الاستراتيجية، في مواجهة أي محاولات للمساس بسيادته أو التأثير على قراره الوطني المستقل، وفقًا لما قاله الرفوع لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

