الحوراني يكتب: حين يجتمع الذكاء مع الأخلاق

{title}
أخبار الأردن -

  حسام الحوراني

هناك قيم خالدة لا تتغير مهما تغير الزمن، ولا تفقد بريقها مهما تطورت الحضارات، ومن أعظم هذه القيم ما عبّر عنه القرآن الكريم في آية تحمل في طياتها سر النجاح والتميّز في كل مجالات الحياة: «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ» .هذه الكلمات ليست مجرد نص مجرد، بل قاعدة ذهبية تصلح لكل وقت ومكان وضعها الله في قران يتلى الى يوم الدين، فهي تضع أمامنا معيارًا لاختيار الأشخاص المناسبين لأي مسؤولية، سواء في العمل، أو في العلاقات، أو في تحمل الأمانات.

القوة والأمانة ليسا مجرد صفتين، بل هما ركيزتان أساسيتان لكل نجاح. فالقوة هنا لا تعني القوة البدنية بشكلها المجرد، بل تشمل القوة في المهارة، الفكر، اتخاذ القرار، والقدرة على الإنجاز. أما الأمانة، فهي ليست فقط تجنب الخيانة، بل تعني الإخلاص، الصدق، وتحمل المسؤولية بضمير حي. في أي مجال من مجالات الحياة، لا يكفي أن يكون الإنسان قويًا دون أن يكون أمينًا، لأن القوة بلا أمانة قد تتحول إلى استغلال، والأمانة بلا قوة قد تؤدي إلى الفشل والعجز.

في بيئة العمل، هذه القاعدة تصبح أكثر وضوحًا. فكم من مشروع في العالم انهار لأن من يديره كان قويًا في التخطيط لكنه يفتقر إلى الأمانة، وكم من مؤسسة تراجعت لأن المسؤولين فيها كانوا أمناء لكنهم يفتقرون إلى المهارة والحسم؟ عندما تبحث عن شخص ليدير عملاً أو يتحمل مسؤولية، فإن القوي الأمين هو الضامن لنجاح المهمة، لأنه يمتلك القدرة على التنفيذ، والنزاهة التي تحمي من الفساد أو الإهمال.

ولكن هذه القاعدة لا تقتصر على العمل فقط، بل تمتد إلى كل جوانب الحياة. في العلاقات الإنسانية، سواء بين الأصدقاء، أو الشركاء في الحياة، أو حتى بين أفراد العائلة، فإننا نبحث دون وعي عن «القوي الأمين»، عن الشخص الذي يمكن الاعتماد عليه، الذي يستطيع أن يقف بجانبك في الأوقات الصعبة، ولكنه في الوقت ذاته صادق، لا يخون الثقة، ولا يستغل المواقف لصالحه. إن وجود هؤلاء الأشخاص في حياتنا يجعلها أكثر استقرارًا وطمأنينة.

المجتمعات التي تفهم هذه القاعدة وتطبقها في مؤسساتها وأعمالها وعلاقاتها هي المجتمعات التي تزدهر. حين يكون الاختيار مبنيًا على الكفاءة والأمانة، فإن النتائج تكون عظيمة، وحين يتم إهمال أحد هذين العنصرين، فإن الفشل يكون محتومًا. لهذا، فإن النجاح ليس مجرد تحقيق الأهداف، بل هو في اختيار الأشخاص الذين يستطيعون تحقيق هذه الأهداف بصدق وإتقان.

إن تطبيق هذه القاعدة يبدأ أولًا بأن يكون كل شخص منا «قويًا أمينًا» في دوره ومسؤوليته. أن يكون قويًا في أداء عمله، في اتخاذ قراراته، في سعيه نحو أهدافه، ولكنه في الوقت ذاته أمين، لا يفرط في الحقوق، لا يخدع، ولا يساوم على مبادئه. وعندما يصل كل فرد إلى هذا المستوى، يصبح المجتمع بأكمله أكثر توازنًا واستقرارًا.

إذا تأملنا حياتنا اليومية، سنجد أن الكثير من مشكلاتنا تعود إلى غياب هذا المبدأ البسيط. كم مرة وثقنا بشخص لم يكن أهلًا للثقة، فخذلنا؟ وكم مرة تعاملنا مع شخص ماهر لكنه كان يفتقر إلى النزاهة، فأفسد كل شيء؟ الحل ليس معقدًا، بل هو موجود منذ أزل بعيد: «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ». إنها وصفة للنجاح في كل اختيار نقوم به، سواء في حياتنا الشخصية أو المهنية.

إذا أردت أن تضمن النجاح في أي مجال، فابحث عن الشخص الذي يجمع بين الكفاءة والنزاهة، بين القدرة والصدق، بين القوة والأمانة. بل اجعل هذه القاعدة منهجًا في حياتك، كن أنت نفسك ذلك الشخص الذي يبحث عنه الآخرون، الذي يمكن الاعتماد عليه دون خوف أو تردد. فكما أنك تحتاج إلى «القوي الأمين» في حياتك، فإن العالم يحتاج إليك أن تكون كذلك.


 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية