النقرش يكتب: القمة العربية في مواجهة التهجير القسري للفلسطينيين: رؤية واستراتيجيات

{title}
أخبار الأردن -

 

د. إبراهيم النقرش

تشهد المنطقة العربية اليوم حالة من التكاتف والوحدة لمواجهة محاولات التهجير القسري للفلسطينيين، في ظل السياسات الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا، والتي تسعى إلى فرض واقع جديد على الأرض. ومع تصاعد الأحداث، يملك العالم العربي العديد من أوراق الضغط على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي يمكن استثمارها بفعالية لوقف هذه المخططات.

فالانقسامات بين الدول العربية تُضعف أي موقف موحد لصالح فلسطين، لذا فإن الوحدة العربية لزومٌ لتعزيز التضامن العربي وتعدّ أولوية قصوى. فالعمل المشترك واتخاذ مواقف واضحة وقوية سيُضعف أي محاولات لاستغلال هذه الخلافات لصالح إسرائيل.

وعلى المستوى الشعبي، يشكّل الدعم الجماهيري للقضية الفلسطينية ورقة ضغط هامة على الحكومات للتحرك الجاد. كما أن المنظمات غير الحكومية تلعب دورًا رئيسيًا في توثيق الانتهاكات الإسرائيلية ونقل الصورة إلى العالم، مما يعزز الحضور الفلسطيني في المحافل الدولية.

كما أن العالم العربي يتمتع بثقل دبلوماسي كبير في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، لذا من الضروري استثمار هذا النفوذ للضغط على المجتمع الدولي لمنع تهجير الفلسطينيين. كما أن بناء تحالفات مع دول داعمة لفلسطين، مثل تركيا وإيران ودول أمريكا اللاتينية وإفريقيا، يمكن أن يعزز الموقف العربي في مواجهة الضغوط الغربية.

وتمتلك الدول العربية موارد اقتصادية هائلة، أبرزها النفط والغاز (البترودولار)، وهي أوراق ضغط يمكن استخدامها للتأثير على الدول الداعمة لإسرائيل. كما أن المقاطعة الاقتصادية للشركات الإسرائيلية والداعمة لها قد تكون وسيلة فعالة للضغط على الاحتلال.

إلى جانب ذلك، فإن إعادة توجيه الاستثمارات العربية بعيدًا عن الدول التي تدعم السياسات الإسرائيلية، والبحث عن شركاء اقتصاديين جدد مثل الصين وروسيا (منظمة البريكس)، يعزز الاستقلالية الاقتصادية للعالم العربي ويحدّ من النفوذ الغربي في المنطقة.

ومن المعلوم بالضرورة أنه لا يمكن للعالم العربي مواجهة المخاطر دون تعزيز قدراته العسكرية، سواء من خلال تنويع مصادر التسليح أو إعادة صياغة العقيدة القتالية للجيوش العربية بحيث تعكس التحديات وتبرز العدو الحقيقي في المنطقة. كما أن مراجعة الاتفاقيات العسكرية مع الولايات المتحدة وإسرائيل أصبحت ضرورة مُلحّة لضمان المصالح العربية بدلاً من خدمة أجندات خارجية بلا مردود وطني حقيقي.

لم يعد مقبولًا أن يكون الموقف العربي تابعًا للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، إذ لا بد من اتخاذ مواقف أكثر جرأة وبصيرة. ومطلوب من الحكّام العرب أن يتعودوا على قول كلمة "لا" لإسرائيل وأمريكا بدلًا من "نعم". المطلوب هو رفع سقف المطالب العربية بدلاً من تقديم التنازلات، من خلال المطالبة بكامل الحقوق الفلسطينية، بدلاً من القبول بحلول جزئية لا تحقق العدالة للفلسطينيين، ولا تحفظ ماء الوجه للعرب.

كما أن إعادة النظر في الاتفاقيات والمعاهدات التي وقّعتها بعض الدول العربية مع إسرائيل والولايات المتحدة باتت ضرورة مُلحّة، خاصة إذا كانت هذه الاتفاقيات تحدّ من السيادة الوطنية أو لا تخدم مصالح الشعوب العربية.

فوجود القواعد العسكرية الأمريكية في بعض الدول العربية يجب أن يُعاد النظر فيه، فهذه القواعد لا تضمن الحماية للعرب بقدر ما تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية. لذلك، من المهم إعادة التفاوض بشأن شروط وجودها، أو البحث عن بدائل أمنية وتحالفات جديدة.

ورغم الاختلافات السياسية والعقائدية، إلا أن التنسيق مع إيران يمكن أن يكون ورقة ضغط قوية في مواجهة إسرائيل. فالعلاقات الدولية ليس لها دين، بل تُبنى على تقاسم المصالح والمنافع المشتركة، والتقارب العربي مع إيران قد يساعد في تحقيق توازن قوي في المنطقة، مما يخدم القضية الفلسطينية.

ومن الضروري إعادة تعزيز الهوية العربية والإسلامية من خلال المناهج الدراسية (إعادة تدريس القضية الفلسطينية وإحياء روح الجهاد) والفعاليات الثقافية التي تُبقي القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان الأجيال الجديدة. فالوعي بالقضية الفلسطينية يُشكل حصنًا ضد محاولات التطبيع أو تزييف التاريخ.

وتُعدّ المقاومة الفلسطينية أحد أهم عناصر الضغط على الاحتلال، ليس فقط عسكريًا، بل أيضًا سياسيًا وإعلاميًا. ودعمها عربيًا، سواء بالتمويل أو بالمواقف السياسية، يعزز صمود الفلسطينيين ويفرض معادلة جديدة على إسرائيل والمجتمع الدولي، بل واعتبار غزة وفلسطين خط الدفاع الأول عن العرب وكرامتهم ومصالحهم الحقيقية.

وإعمار غزة بشفافية ونزاهة وأمانة يجب أن يكون جزءًا من أي خطة عربية لدعم الفلسطينيين، مع ضمان أن يتم بعيدًا عن أي أجندات خارجية. فالاستثمار في غزة لا يحسّن حياة الفلسطينيين فحسب، بل يقوي موقفهم في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.

لذا، فإنه في هذه المرحلة الحرجة والصعبة التي تعيشها الشعوب العربية بأنظمتها، لم يعد التخبط والهوان والانتظار خيارًا. فالمطلوب هو تحرك عربي جاد ومبادر وجريء (بدون تسويف ومماطلة للقمم... فهناك أُمم حسمت مواقفها مع ترامب في ساعات، بل في دقائق، وبدون قمم!). المطلوب موقف يستثمر كل أوراق الضغط المتاحة، من الدبلوماسية إلى الاقتصاد والعسكر، من أجل دعم فلسطين ووقف أي محاولات تهجير جديدة. فالخطوات الجريئة والمواقف القوية هي ما تحتاجه الأمة في هذه اللحظة التاريخية.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية