الغزوي يكتب: إرث الإمبراطوريات

{title}
أخبار الأردن -

  رمزي الغزوي

منذ عودته إلى البيت الأبيض، أعاد دونالد ترامب إحياء خطاب الإمبراطوريات، مطلقًا مطالب متكررة بضم كندا، والسيطرة على غرينلاند، واستعادة قناة بنما، وحتى امتلاك قطاع غزة. هذه التوجهات تعكس رؤية تتجاوز مجرد السياسات القومية، لتقترب من منطق التوسع الإمبريالي الذي ظن كثيرون أنه انتهى منذ منتصف القرن العشرين. لكن في ظل عالم يشهد تصاعد التنافس الجيوسياسي، تبدو هذه الطموحات جزءًا من تحول أكبر يعيد تشكيل موازين القوى الدولية.

لا يتحرك ترامب في فراغ، بل يتفاعل مع بيئة عالمية تزداد فيها النزعات التوسعية. فروسيا بقيادة بوتين أعادت إحياء سياستها الإمبريالية من خلال التدخل العسكري في أوكرانيا وسوريا وأفريقيا، بينما تمضي الصين قدمًا في مطالبها الإقليمية ببحر الصين الجنوبي، وتواصل الضغط لاستعادة تايوان. ومع تراجع النظام العالمي الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة لعقود، يظهر ترامب كزعيم يسعى لإعادة ترتيب الأوراق.

ما يثير القلق ليس فقط محتوى سياسات ترامب، بل النهج الذي يعتمده في تنفيذها. فمن خلال الضغط الاقتصادي، والتهديدات العسكرية، متجاوزًا الوسائل الدبلوماسية التقليدية. هذا التوجه لا يعكس فقط تراجع التزام الولايات المتحدة بالمؤسسات الدولية، بل يهدد أيضًا استقرار النظام العالمي، إذ يفتح المجال أمام قوى أخرى لتبني سياسات توسعية مشابهة. فإذا تبنت دول إقليمية مثل الهند أو تركيا أو إيران هذا النهج، فقد نشهد موجة من الصراعات التي تعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي بطريقة غير متوقعة.

لكن التغير لا يقتصر على السياسة الخارجية فحسب، بل يمتد إلى الداخل الأميركي أيضًا. فبالترويج لفكرة أن أميركا بحاجة إلى قائد قوي يتجاوز القيود التقليدية، يعكس ترامب توجهًا نحو السلطوية، مشابهًا لما يحدث في روسيا والصين. 

وإذا ما وجد هذا التوجه قبولًا داخل الولايات المتحدة، فقد يشكل تهديدًا للمؤسسات الديمقراطية الأميركية ذاتها، مما يعزز النزعات القومية والانغلاق على الذات.

في ظل هذه التحولات، لم تعد الولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على فرض قواعد اللعبة الدولية، بل أصبحنا نشهد نظامًا عالميًا متعدد الأقطاب، تتنافس فيه القوى الكبرى بوسائل غير تقليدية. ومع تصاعد النفوذ الاقتصادي والعسكري للصين، واستمرار روسيا في تحدي الغرب، تبدو فكرة «السلام الأميركي» التي سادت منذ الحرب العالمية الثانية في طريقها إلى التلاشي. لكن بدلًا من التكيف مع هذا الواقع الجديد، يحاول ترامب تغييره بالقوة، مما يزيد من احتمالات المواجهة والفوضى.

إذا استمرت القوى العظمى في انتهاك الحدود المعترف بها دوليًا، فقد يكون النظام العالمي القائم على القواعد والمؤسسات في خطر. ومع بروز النزعات الإمبريالية من جديد، يبقى السؤال مطروحًا: هل نحن على أعتاب عصر جديد من الصراعات الجيوسياسية، حيث تحل القوة محل القانون، أم أن العالم سيجد طريقة للتكيف مع هذا التحول دون الانزلاق إلى الفوضى؟


 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية