صبحه تكتب: انسحاب مناخي.. أعاصير وحرائق أشد فتكًا
بيان صبحه
يبدو أن الطبيعة قررت أن ترد الصاع صاعين مع كل انبعاث كربوني جديد، تزداد سخونة المحيطات وتتحول الأعاصير والحرائق إلى وحوش غير قابلة للسيطرة؛ السنوات الأخيرة كشفت عن موجة من الكوارث الطبيعية العنيفة التي حطمت أرقاما قياسية تاركة وراءها مدنا غارقة وأخرى محترقة وبنى تحتية مدمرة واقتصادات تنزف؛ في وقت كهذا يحتاج العالم إلى التكاتف أكثر من أي وقت مضى لكن بدلا من ذلك جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ ليضيف مزيدا من الضبابية على المستقبل المناخي للكوكب؛ فهل كان هذا القرار مجرد ضربة سياسية أم أنه تساهل قاتل أمام كارثة وشيكة؟
ارتفاع درجة حرارة الأرض لم يعد مجرد بيانات علمية جامدة بل هو واقع يعصف بالمدن والسواحل؛ وفقا للإدارة الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي فقد شهد المحيط الأطلسي زيادة في درجات حرارة سطح الماء بمعدل 0.5 درجة مئوية خلال العقود الأخيرة ما أدى إلى تغذية الأعاصير بمزيد من الطاقة؛ عندما اجتاح إعصار «إيرما» ولاية فلوريدا 2017 بلغت سرعة رياحه 300 كيلومتر في الساعة وهو رقم لم يكن شائعا بهذا التكرار قبل عقدين، المشهد يتكرر مع أعاصير أخرى مثل «هارفي» الذي تسبب وحده في خسائر بلغت 125 مليار دولار و «دوريان» الذي دمر جزر البهاما بالكامل تقريبا، هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات اقتصادية بل تحذيرات مخيفة من مستقبل قد يكون أكثر عنفا؛ في يناير 2025 شهدت ولاية كالفورنيا سلسلة من حرائق الغابات المدمرة خاصة في منطقة لوس أنجلوس ومقاطعة فينتورا؛ بدأت هذه الحرائق في 7 يناير واستمرت حتى 31 من الشهر نفسه متسببة في وفاة 28 شخصا وتدمير أكثر من 12,401 مبنى و إجبار أكثر من 180,000 شخص على الإخلاء؛ تفاقمت هذه الحرائق بسبب انخفاض الرطوبة الشديد وظروف الجفاف الممتدة و رياح سانتا آنا التي تجاوزت سرعتها في بعض الأماكن 130 كيلومترا في الساعة، بلغت المساحة المحترقة حوالي 27,162 فدانا (حوالي 110 كيلومترات مربعة)، هذه الكوارث لم تقتصر على الخسائر البشرية والمادية فحسب؛ بل أثرت على شركات التأمين حيث تكبدت شركة «لانكشاير هولدينجز» البريطانية خسائر تتراوح بين 145 و 165 مليون دولار بسبب هذه الحرائق.
في عام 2015 اجتمع قادة العالم في باريس ليضعوا خارطة طريق لمستقبل أكثر أمانا فكانت اتفاقية باريس للمناخ التي تعهدت فيها الدول بالحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية أقل من درجتين مئويتين؛ لكن انسحاب الولايات المتحدة التي تعتبر ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في العالم باتت الاتفاقية أمام اختبار صعب؛ انسحاب واشنطن يعني أن 15% من الانبعاثات العالمية لم تعد تخضع لأي التزام مناخي جاد،مما يضعف الجهود الدولية ويمنح الدول الأخرى ذريعة للتراخي في تنفيذ التزاماتها؛ الأمر لا يقتصر على السياسات الدولية بل يمتد إلى حياة ملايين البشر، مع تصاعد التغيرات المناخية يتوقع العلماء أن تصبح الأعاصير والحرائق أشد تدميرا بنسبة 20-30% بحلول نهاية القرن؛ حيث يؤكد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن معدل زيادة مستوى سطح البحر قد تسارع خلال العقود الماضية مما يعني أن المدن الساحلية لن تواجه فقط رياحا عاتية بل فيضانات دائمة تهدد بقائها، سكان نيو أورلينز، ميامي، مانيلا وجاكرتا قد يجدون أنفسهم في مواجهة دمار لا يمكن إصلاحه بينما تغرق جزر بأكملها في المحبط؛ لكن وسط هذه العتمة هناك بصيص من الأمل، ولايات أمريكية مثل كالفورنيا ونيويورك أعلنت التزامها بالمضي قدما في تنفيذ اتفاقية باريس رغم القرار الفيدرالي؛ الصين التي كانت مترددة بشأن تبني سياسات مناخية صارمة وجدت في الانسحاب الأمريكي فرصة لتصدر المشهد معلنة خططا طموحة لخفض الانبعاثات ومع ذلك فإن الجهود الفردية لا تكون كافية فبدون التزام عالمي حقيقي ستواصل الأعاصير والحرائق اكتساب قوتها وستظل المدن على حافة الانهيار.
الانسحاب من معركة المناخ لم يكن مجرد قرار سياسي بل مقامرة بمستقبل البشرية؛ الكوارث القادمة لن تسأل عن توقيعات الاتفاقيات ولن تميز بين دول انسحبت وأخرى التزمت، ربما يظن البعض أن تكلفة الالتزام المناخي باهظة، لكن تكلفة الكوارث القادمة أعلى بكثير.

