المحارمة يكتب: بين ثوابت الموقف الأردني والتفريط بأخلاقيات المهنة

{title}
أخبار الأردن -

  عمر المحارمة

لا يخفى على أي إنسان تعلم الأبجدية الأولى للأحرف أن الفارق كبير بين ما قاله جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يوم أمس الأول وما نقلته الجزيرة ترجمة لذلك الحديث.

فالملك رد على سؤال حول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لترحيل الفلسطينيين من غزة، بالقول: «من الصعب تنفيذ ذلك بصورة ترضي الجميع»، فيما نقلت قناة فضائية ذات العبارة بالصيغة التالية: «يجب أن نضع بالاعتبار كيفية تنفيذ ذلك بما يخدم مصلحة الجميع».

الفارق في المعنى بين العبارتين كبير جدا، إن كان في المعنى اللغوي أو في التعبير عن الموقف السياسي الأردني من تلك الخطة، بل ومناقض تماما، ففي الجملة التي قالها الملك رفض واضح للخطة بلغة دبلوماسية أخلاقية تتجنب إحراج المضيف وتتجنب التورط في رأيه أو موقفه.

فيما تذهب ترجمة القناة بالمستمع والقارىء والمشاهد إلى انطباع أن الأردن لا يمانع تنفيذ الخطة بشرط مراعاة مصالح كافة الأطراف، وهذا يؤدي الى انطباع خاطىء ذهبت إليه بدليل أن هذه الترجمة استخدمت في الشريط الإخباري لها وفي التقارير المكتوبة على موقعها الإلكتروني، فلو افترضنا ان المترجم الفوري أخطأ -وهو أمر وارد- لنوهت لهذا الخطأ الذي تسبب بجدل واسع ولقامت على الأقل بتعديل الترجمة في نشراتها اللاحقة وفي التقارير المكتوبة على موقعها الالكتروني.

وبعيدا عن خطأ القناة أو «تصيدها» لتوريط الأردن في موقف مستفز شعبيا، يتوجب لأي عاقل أن يشيد باللغة الدبلوماسية والسياسية التي استخدمها جلالة الملك خلال لقاء ترمب.

فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب استبق لقاء الملك بسلسلة من التصريحات المستفزة بخصوص القضية الفلسطينية، وأظهر انحيازا للكيان الصهيونى لا يختلف عن انحياز سابقيه.

وجلالة الملك، ذهب الى واشنطن وهو يعرف أنه سيلتقي برئيس دولة تجمعنا فيها شراكة استراتيجية وتتقاطع معها مصالحنا في نواح مختلفة.

فكان لا بد من خطاب يعبر عن الموقف الأردني ويفكّك الطرح الأمريكي، دون إحراج الرئيس ترمب ومواجهته في عقر داره، وبصورة تضمن مصالح الأردن وتعبر عن مواقفه الثابتة وتربط الملف بموقف عربي موحد، فهذا الخيار الوحيد القادر على ردع الجانب الأمريكي ودفعه لإعادة حساباته.

والملك بذلك منع تحويل القضية الفلسطينية من شأن أردني - مصري - فلسطيني خالص، وأعادها إلى أصلها الحقيقي كقضية عربية وإسلامية، لا يمكن حلّها إلا بموقف عربي موحّد.

الموقف الأردني، بقيادة جلالة الملك، ورغم أخطاء الترجمة التي تلقفها دون تمحيص عدد واسع من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، تميز بالحنكة السياسية العالية والدبلوماسية الراقية، التي لا تفرط بالثوابت ولا تتخلى عن المبادىء.


 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية