الملك لجأ إلى مناورة دبلوماسية
لميس حديدي
تابعت النص الأصلي باللغة الإنجليزية لمقابلة الرئيس الأمريكي دونالد رامب والملك الأردني عبدالله أمس، وبعيدًا عن ردود أفعال وسائل التواصل الاجتماعي المتحفزة، لديَّ مجموعة من الملاحظات:
وفقًا لزملاء صحفيين في البيت الأبيض، لم يكن هناك مؤتمر صحفي مقرر، بل كان الاجتماع مغلقًا، وفوجئ الصحفيون بدعوتهم للدخول. هذا يعني أن ترامب قرر استغلال اللحظة لإحراج الملك وإطلاق تصريحاته المثيرة للجدل أثناء الاجتماع.
ما يُقال في الغرف المغلقة ليس بالضرورة ما يُقال في العلن، خاصة عندما يكون الخلاف مع رئيس أكبر قوة عظمى، معروف بأسلوبه غير المنضبط، ويشعر بتعاظم قوته إلى درجة طرح أفكار عبثية مثل شراء غزة، وضم كندا وغرينلاند، والخروج من النظام الدولي. تفويت فرصة تفجير الخلاف علنًا كان خطوة ضرورية.
الملك الأردني لم يتراجع عن موقف الأردن المعلن، بل لجأ إلى المناورة الدبلوماسية، حيث أكد أن الأردن بانتظار الخطة العربية المصرية المشتركة، وأن هناك اجتماعًا مرتقبًا مع ولي العهد السعودي، وأن الدول العربية ستقدم خطتها لترامب. كما شدد مرتين على أن "مصر لديها خطة". هذه ليست مناورة سلبية أو هروبًا، بل تأكيد واضح أن أي قرار سيكون عربيًا مشتركًا، وترسيخ لدور مصر كقائد استراتيجي في هذا الملف. من الواضح أن هذا الموقف تم الاتفاق عليه مسبقًا مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي.
فيما يخص التهجير، حاول الملك تجنب الصدام المباشر مع ترامب، الذي كان يكرر أفكاره الاستفزازية أمام الصحفيين، لكنه في الوقت ذاته تمكن من المناورة بذكاء، حيث قال إن الأردن سيستقبل 2000 طفل للعلاج، مؤكدًا: "لن أفعل إلا ما هو في مصلحة بلدي الأردن". الرسالة واضحة دون الحاجة للتصعيد أو الدخول في مواجهة مباشرة.
إجابة الملك لم ترُق لترامب، إذ كان ينتظر منه تأكيدًا واضحًا على الموافقة على خطته، لكنه لم يحصل على ذلك، سواء علنًا أو داخل الاجتماع، كما أكد البيان الرسمي الأردني.
البعض يرى أن الملك كان يجب أن يكون أكثر وضوحًا في رفض مخططات التهجير وضم الضفة الغربية، لكن هناك رأيًا آخر يقول إن التعامل مع شخصية غير متزنة مثل ترامب يتطلب تفويت فرص الانفجار مع الإصرار على الموقف دون تراجع. أفضل نهج في هذه الحالة هو التفاوض المستمر حتى يدرك ترامب أن خطته غير قابلة للتحقيق. هذه استراتيجية تتطلب ذكاءً سياسيًا، لأن أي مواجهة مباشرة قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة، سواء عسكرية أو اقتصادية.
أصدر الأردن بيانًا واضحًا حول ما دار داخل الاجتماع، كما خرج وزير الخارجية ورئيس الوزراء بتوضيحات أكثر دقة وحسمًا، لم تتضمن أي تراجع عن المواقف الثابتة.
مما سبق، يُمكن القول إن الملك الأردني، الذي كان أول مسؤول يواجه مباشرة طوفان الأفكار الترامبية، تمكن من المناورة بمهارة، حتى وإن لم يُرضِ البعض، لكنه لم يقدم أي تنازل، وهو ما يهم في النهاية. لو كان الأردن قد وافق على استقبال الفلسطينيين أو على ضم الضفة، لكان ترامب أعلن ذلك فورًا بعد الاجتماع، وهو ما لم يحدث.
لا يمكن تجاهل الضغوط التي يتعرض لها الأردن من قبل الولايات المتحدة. فالأردن دولة صغيرة وتعتمد بشكل أساسي على المساعدات الأمريكية، لكنه نجح حتى الآن في المناورة وكسب المزيد من الوقت.
ترامب مستعد لإحراج الجميع، لذلك يجب أن تكون أي مقابلة معه بصيغة جماعية، وبموقف عربي موحد، مع طرح حلول ذات أبعاد اقتصادية تجذب اهتمامه، مثل التعاون مع السعودية.
ختامًا: الموقف العربي المشترك هو مفتاح التعامل مع ترامب
الأهم الآن هو بناء خطة عربية واضحة، وموقف عربي موحد، والتعامل بذكاء مع ترامب، لأن السياسة لا تُدار بالشعارات الرنانة أو المواجهات المباشرة، بل بالنتائج المحسوبة. قبل أي شيء، يبقى لمصر دور محوري وحاسم في هذا الملف، وننتظر قمة عربية مهمة تحدد معالم المرحلة المقبلة.

