النجار يكتب: الصحة من أجل الديمقراطية والديمقراطية من أجل الصحة: علاقة تبادلية لا تنفصم والعلاقة بين الصحة والديمقراطية ليست "رفاهية فكرية"، بل ضرورةٌ وجودية

{title}
أخبار الأردن -

 د. زياد النجار

في عالمٍ تتعقّد فيه التحديات الاجتماعية والسياسية، تبرز العلاقة بين الصحة والديمقراطية كحجر أساس لبناء مجتمعات مستقرة ومزدهرة. ليست الصحة مجرد غايةٍ إنسانية، بل هي أيضًا ركيزةٌ لضمان مشاركة فاعلة في الحياة العامة. بالمقابل، لا تُعتبر الديمقراطية نظامًا سياسيًا فحسب، بل هي آليةٌ لتحقيق العدالة في توزيع الموارد الصحية وحماية حقوق الإنسان. فكيف تتداخل هاتان القيمتان لتعزيز بعضهما بعضًا؟

  • الصحة: جسرٌ نحو الديمقراطية الفعّالة وهي شرط للمشاركة المدنية: 
    • لا يستطيع الأفراد المُنهكون بآلام المرض أو غياب الرعاية الصحية أن يشاركوا بفاعلية في صنع القرار السياسي. فالمجتمعات التي تعاني من تفشّي الأمراض أو انعدام الخدمات الطبية تُنتج مواطنين غارقين في هموم البقاء، مما يُضعف قدرتهم على المطالبة بحقوقهم أو محاسبة حكوماتهم.
  • التعليم الصحي والتثقيف الصحي ودورهم في تعزيز الوعي الجماهيري:
    • الوعي الصحي القائم على تعزيز مفاهيم وقيم التعليم والتثقيف الصحي ( التي تنادي بان التثقيف الصحي ليس صب المعرفة في رؤوس المواطنين واغراقهم بالمعلومات فقط بل هو ايضا علم من علوم المعرفة يستخدم النظريات السلوكية والنفسية الاجتماعية للتاثير على القيم والمعتقدات الخاطئة وتغيير السلوك)  — مثل فهم أهمية اللقاحات أو مكافحة التلوث البيئي او السيطرة على الامراض المزمنة كالسمنة والسكري وارتفاع ضغط  الدم وعوامل الاختطار المرتبطة بها مثل السمنة والخمول وتناول الغذاء غير الصحي او الوقاية من جائحة كوفيد-19— يخلق مواطنين أكثر إدراكًا لارتباط سياسات الحكومة بجودة حياتهم. هذا الوعي يُترجم إلى ضغطٍ شعبي من أجل سياسات شفافة وخاضعة للمساءلة.  
  • الحد من التفاوتات: أساس الاستقرار الاجتماعي:  
    • عندما تُدار الخدمات الصحية بعدالة، تقل الفجوات الطبقية التي تُغذي السخط والاضطرابات. فالدول التي تستثمر في أنظمة صحية شاملة قائمة على المفهوم الشمولي للصحة والذي طرحته منظمة الصحة العالمية منذ سنين طويلة،  تُبنى على ثقةٍ متبادلة بين الحاكم والمحكوم، مما يُرسّخ دعائم الديمقراطية.

الديمقراطية: ضمانةٌ لصحة الشعوب  شريطة ان تقوم على ترسيخ المباديء التالية: 

  • المساءلة وشفافية السياسات الصحية: 
    • في الأنظمة الديمقراطية، تُخضع الحكومات لرقابةٍ دائمة من البرلمانات والإعلام والمجتمع المدني. هذا يضمن أن تُوجَّه الموارد إلى حيث الحاجة الحقيقية، كبناء المستشفيات أو مكافحة الأوبئة، بدلًا من إهدارها في مشاريع تَخدم النُخب فقط.  
  • الحريات العامة وحق الوصول إلى المعلومات:
    • في ظل الديمقراطية، يُكفل حق الحصول على المعلومات الصحية الدقيقة، مثل بيانات انتشار الأمراض أو جودة الأدوية. هذه الشفافية تنقذ الأرواح، خاصةً في الأزمات (كجائحة كوفيد-19)، حيث تُبنى الاستجابات على العلم لا على التعتيم الإعلامي.  
  • المجتمع المدني شريكٌ في بناء المناعة المجتمعية:
    • تسمح الديمقراطية بوجود منظمات مجتمعية تُشارك في تصميم الحملات التوعوية أو رصد الانتهاكات الصحية. هذه الشراكة تُعزز فعالية الأنظمة الصحية وتجعلها أكثر استجابةً لاحتياجات الفئات المهمَّشة.

الخلاصة: نحو تكاملٍ لا انفصال  

- العلاقة بين الصحة والديمقراطية ليست "رفاهية فكرية"، بل ضرورةٌ وجودية. فالدول التي تُهمل صحة مواطنيها تَزرع بذور الاضطراب في تربة الديمقراطية، وتلك التي تقمع الحريات تُهدّد صحة شعوبها بمخاطر الفساد والتهميش. لذا، فإن تعزيز هذه الدائرة التبادلية يتطلب:  

1- استثمارًا طموحًا في أنظمة صحية عادلة، مع إشراك المواطنين في صنع السياسات.  

2- حمايةً صارمةً للحريات الأساسية التي تسمح بالرقابة والمشاركة.  

فقط عندما تلتقي الصحة بالديمقراطية، نصنع عالمًا يُحقّق الكرامة للإنسان، بجسده وروحه وحقوقه.

 

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية