الماضي لـ"أخبار الأردن": اختبار على الأردن اجتيازه

قال أستاذ علم الاجتماع السياسيّ الدكتور بدر الماضي إن الأردن لم يكن يومًا بمنأى عن تعقيدات الجغرافيا السياسية، فقد ظل دومًا في قلب المشهد الإقليمي، مُثقلًا بتحديات متشابكة تتراوح بين التوترات الجيوسياسية، والضغوط الاقتصادية، والرهانات الاستراتيجية التي تفرضها التحولات الإقليمية والدولية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الأردن ومنذ تأسيسه، يواجه أزمات متعاقبة، غير أنه نجح، بفضل حكمة قيادته وحنكة مؤسساته، في تحويل التحديات إلى فرص، محققًا بذلك مكانة مرموقة في معادلات التوازن الإقليمي، حيث استطاع أن يحافظ على استقلالية قراره السياسي رغم تعقيدات المشهد الدولي وتشابك المصالح الإقليمية.
وبيّن الماضي أن التطورات الأخيرة في المنطقة أفرزت تحولات جوهرية، على مستوى إعادة تموضع القوى الفاعلة، وعلى صعيد إعادة صياغة الأولويات الاستراتيجية للدول المؤثرة، فقد شهدنا، تراجعًا لبعض المشاريع الإقليمية التي لطالما عززت منسوب الفوضى وعدم الاستقرار، مقابل تصاعد الضغوط على فصائل المقاومة الفلسطينية بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، فضلًا عن الانتكاسات التي مني بها "حزب الله"، والذي يُعدّ الذراع الأكثر فاعلية ضمن المشروع الإيراني في المنطقة، الأمر الذي يعيد رسم ملامح التوازنات الإقليمية ويعيد طرح الأسئلة حول مستقبل النفوذ الإيراني في الإقليم.
ولفت الانتباه إلى أن الموقف العربي الرسمي يبدو اليوم في حالة ضعف غير مسبوقة، حيث تتسم مواقفه بالضبابية وعدم القدرة على الفعل المؤثر، وهو ما ألقى بظلاله على الأردن، الذي بدا وكأنه يقف في مواجهة مفتوحة مع تعقيدات المشهد دون مظلة عربية متماسكة، ومع ذلك، فإن الأردن، بحكم خبرته العميقة في إدارة التناقضات الإقليمية، يدرك أن التعاطي مع هذه التحولات يقتضي انتهاج مقاربة متعددة الأبعاد، لا تقتصر على ردود الفعل الظرفية، وإنما تتعداها إلى بناء تحالفات استراتيجية تضمن له هامشًا أوسع للمناورة السياسية.
وأشار الماضي إلى أن التحرك الأردني جاء باتجاه تكوين جبهة عربية أكثر تماسُكًا، حيث شهدنا في الآونة الأخيرة تنسيقًا مكثفًا مع المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، وقطر، والسلطة الوطنية الفلسطينية، في محاولة لصياغة موقف عربي قادر على التفاعل مع الرؤية الأمريكية الجديدة للمنطقة، والتي تتطلب استجابة أكثر ديناميكية من الدول العربية المعنية.
وأكد إدراك الأردن بأن استقراره الداخلي يشكّل حجر الزاوية في أي معادلة إقليمية تحاول الأطراف الدولية صياغتها، فهو يمتلك نموذجًا متفردًا في الحفاظ على استقرار مؤسساته رغم العواصف التي عصفت بالمنطقة، ما يجعله لاعبًا لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية، وعليه، فإن مقاربته تقوم على تقديم حجج سياسية واستراتيجية مقنعة لصانعي القرار في واشنطن، مفادها أن أي محاولة للإخلال بتوازنه الديموغرافي أو الجغرافي ستكون ذات تداعيات عميقة على أمنه الوطني، وعلى المنظومة الإقليمية ككل، وهو ما لا يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة.
وما يعزز من قدرة الأردن على إيصال رؤيته أنه يمتلك خبرة طويلة في التعاطي مع دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، سواء على المستوى الدبلوماسي أو العسكري أو من خلال النفوذ الذي بناه في أوساط الكونغرس والإعلام واللوبيات المؤثرة، ومن هنا، فإن تعاطيه مع الإدارة الأمريكية الجديدة سيكون قائمًا على نهج استراتيجي يرتكز على المصالح المشتركة، مع التأكيد على أن التوازنات الإقليمية لا يمكن أن تُصاغ وفق رؤية أحادية تميل لصالح طرف دون الآخر، إذ أن أي اختلال في هذا التوازن لن يكون في صالح واشنطن نفسها، وفقًا لما قال الماضي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
واستطرد قائلًا إن الإدارة الأمريكية مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأن تتبنى مقاربة أكثر شمولًا في التعاطي مع قضايا المنطقة، بحيث تستمع لكافة الفاعلين، ولا تقتصر في قراءتها على الروايات الإسرائيلية التي أثبتت التجربة أنها غير قادرة على إنتاج استقرار حقيقي، فالمنطقة، بكل تعقيداتها وتشابك ملفاتها، تحتاج إلى حلول متوازنة تأخذ بعين الاعتبار مصالح مختلف الأطراف، وإلا فإننا سنكون أمام مزيد من التأزم والتدهور، وهو ما قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع على نحو لا يمكن احتواؤه بسهولة.