ما يحتاجه الأردن لعبور المرحلة الراهنة... العياصرة يوضح لـ"أخبار الأردن"

{title}
أخبار الأردن -

قال المحلل السياسيّ الدكتور رامي العياصرة إن المتغيرات الدولية والإقليمية التي يشهدها الأردن في المرحلة الراهنة تفرض إعادة النظر في مجمل الاستراتيجيات الوطنية، في إطار التكيف مع الضغوط المتزايدة، وفي سياق بناء مقاربة جديدة تضمن حماية المصالح الوطنية العليا ضمن بيئة إقليمية ودولية مشحونة بالتحولات الجذرية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه لم يكن من المستغرب أن تعود الولايات المتحدة، في ظل صعود التيارات اليمينية المتطرفة، إلى استخدام أدوات الضغط الاقتصادي والسياسي في محاولة لإعادة هندسة المشهد الإقليمي وفق معطيات تخدم رؤيتها الأحادية، مضيفًا أن إعادة تقييم السياسة الخارجية الأردنية، وإعادة ضبط التموضع الإقليمي والدولي، والتعامل بمرونة تكتيكية دون التفريط بالثوابت الاستراتيجية، يمثل ضرورة قصوى لضمان استمرارية التوازن في مواجهة المخططات التي تستهدف الأردن بشكل مباشر.

ونوّه العياصرة إلى أنه لا يمكن فهم طبيعة الضغوط التي يمارسها الجانب الأمريكي في ظل عودة الرئيس دونالد ترامب إلى المشهد السياسي دون التوقف عند المقدمات التي أفرزتها سياسته خلال ولايته الأولى، حينما طرح ما يُعرف بـ"صفقة القرن"، التي لم تكن مجرد إطار تفاوضي لإيجاد حل سياسي للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وإنما شكلت تحولًا جذريًا في مفهوم التسوية، إذ أُعيد تعريف القضية الفلسطينية بوصفها "مشكلة ديموغرافية" ينبغي تصفيتها من خلال آليات تتضمن إعادة توطين الفلسطينيين خارج أراضيهم التاريخية، وهو ما انعكس في الطروحات التي تكررت مؤخرًا حول ضرورة تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين، الأمر الذي يتجاوز مجرد كونه محاولة لحل الصراع، ليصبح مشروعًا لإعادة رسم خرائط المنطقة بما يتوافق مع الأجندة الإسرائيلية المتطرفة.

واستطرد قائلًا إن التهديد يتجلى بوضوح في النهج الإسرائيلي المتصاعد، الذي انتقل من مسألة توسيع المستوطنات أو فرض الأمر الواقع في القدس، إلى مرحلة متقدمة من السعي لضم الضفة الغربية بالكامل، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي أكد أن عام 2025 سيكون عام "الضم الكامل"، في إشارة واضحة إلى أن المرحلة ستشهد تحولًا نوعيًا في محاولة فرض الحلول النهائية وفق رؤية إسرائيلية محضة.

وتتكامل هذه المخططات مع الضغوط الاقتصادية التي تمارسها الولايات المتحدة على الأردن، حيث بات واضحًا أن الإدارة الأمريكية لم تعد تتعامل مع المساعدات بوصفها التزامًا استراتيجيًا ضمن إطار الشراكة التاريخية بين البلدين، ذلك أنها باتت توظفها أداةً للابتزاز السياسي، في محاولة لدفع الأردن للقبول بترتيبات جديدة تتماشى مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلي، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وفي ظل هذه المعطيات، لفت العياصرة الانتباه إلى أن الأردن بات أمام تحدٍ استراتيجي يستدعي إعادة النظر في مجمل سياساته الإقليمية والدولية، إذ لم يعد من الممكن الاعتماد على الولايات المتحدة مصدرًا وحيدًا للدعم السياسي والاقتصادي، بقدر ما أصبح لزامًا على الأردن تنويع تحالفاته الدولية، من خلال تعزيز العلاقات مع القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا، والانفتاح على الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال، رغم تقلباته، أكثر التزامًا بثوابت القانون الدولي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وبالتوازي مع ذلك، فإن إعادة ضبط التحالفات الإقليمية يُعد أمرًا بالغ الأهمية، خصوصًا أن المشهد الإقليمي يشهد تحولات كبرى، حيث تتجه المملكة العربية السعودية نحو مسار تطبيعي متسارع مع إسرائيل، بينما تحتفظ تركيا بموقف أكثر براغماتية، الأمر الذي يستوجب استثمار المصالح المشتركة مع أنقرة، بوصفها لاعبًا إقليميًا فاعلًا يمتلك القدرة على التأثير في معادلات التوازن الإقليمي.

وقال العياصرة إن الحاجة تنتقل من إعادة التموضع على البعد الدبلوماسي، إلى ضرورة تعزيز مقومات الصمود الاقتصادي، عبر تبني استراتيجية وطنية تقوم على تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، من خلال إعادة هيكلة المالية العامة، وإطلاق مشاريع إنتاجية تضمن تحقيق الحد الأدنى من الاستقلال الاقتصادي، مشيرًا إلى أن الموازنة العامة للدولة لا يمكن أن تستمر بمعزل عن المتغيرات الاستثنائية التي يمر بها الأردن، مما يستوجب إعداد موازنة طوارئ تتضمن تخفيضًا ملموسًا في النفقات غير الضرورية، وإعادة توزيع الموارد بما يضمن الحد من الفجوة الاقتصادية، وإلزام القطاع المصرفي والمالي بتحمل مسؤولياته الوطنية عبر سياسات ضريبية عادلة.

ولا يمكن الحديث عن مواجهة التحديات دون التطرق إلى ضرورة إعادة بناء الجبهة الداخلية، بحيث يتم تبني سياسات تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزز مناعة الدولة في مواجهة الضغوط الخارجية، وهو ما يستوجب مراجعة جذرية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن استعادة الثقة بين الدولة والمواطن، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها الأردن.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن المرحلة المقبلة قد تحمل المزيد من التعقيدات، سواء من خلال استمرار الضغوط الأمريكية، أو من خلال التوسع الإسرائيلي المتواصل في الأراضي الفلسطينية، فإن الأردن مطالب بتبني نهج استباقي يقوم على التحوط الاستراتيجي، بحيث يتم إعداد خطط بديلة لمواجهة أي سيناريو محتمل، سواء تعلق الأمر بتقليص المساعدات الخارجية، أو تصاعد الضغوط السياسية، أو حتى محاولات فرض حلول غير مقبولة تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية، وفقًا لما أوضحه لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وفي هذا الإطار، فإن الدبلوماسية الأردنية مطالبة بتعزيز حضورها على المستوى الدولي، من خلال إيصال رسائل واضحة للمجتمع الدولي بأن أي محاولة لإعادة تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة على حساب الأردن لن تكون مقبولة، وستواجه بموقف وطني موحد، يستند إلى رفض مطلق لأي حلول تأتي على حساب السيادة الوطنية.

واختتم العياصرة حديثه بالتأكيد على امتلاك الأردن، رغم الضغوط المتزايدة، القدرة على المناورة وتوظيف أوراقه الاستراتيجية بحكمة، وذلك من خلال تبني نهج شامل يتضمن تنويع التحالفات، وتعزيز مقومات الصمود الاقتصادي، وإعادة بناء الجبهة الداخلية، والتحرك الدبلوماسي الفاعل لمواجهة المخططات التي تستهدف استقراره، وإذا كانت المرحلة المقبلة تحمل تحديات كبرى، فإن التجربة التاريخية للأردن تثبت أنه قادر على تجاوز الأزمات، والتكيف مع التحولات، دون التفريط بثوابته الوطنية، وهو ما يستوجب تكاتف جميع القوى الوطنية لتعزيز موقف الأردن في مواجهة المرحلة المقبلة، وضمان حماية سيادته ومصالحه العليا ضمن بيئة دولية وإقليمية تتسم بالاضطراب والتغير المستمر.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية