هذا ما سيجبر عليه أهل غزة في النهاية

{title}
أخبار الأردن -

قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إن الطرح الإعلامي لدونالد ترامب بشأن ترحيل سكان قطاع غزة إلى دول الجوار، بل وربما إلى مناطق أكثر بعدًا كألبانيا وإندونيسيا والعراق، إحياء جدلية "الترانسفير" القسري، ضمن مقاربة تفتقر إلى الهيكلية الاستراتيجية أو المرجعية القانونية، باستثناء استدعاء متقادم لمقولات "صفقة القرن"، التي تجاوزتها التحولات الجيوسياسية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن افتقار هذا الطرح لمنظومة متكاملة من الإجراءات التنفيذية لا يعني استبعاده كخيار قسري، بل على العكس، فإن عمليات التدمير الممنهجة لمقومات الحياة في قطاع غزة، من بنية تحتية وخدمات أساسية، تعكس هندسة ديمغرافية متعمدة، تهدف إلى خلق ظروف طاردة تُرغم السكان على النزوح، سواء تحت ضغط الواقع الاقتصادي أو عبر فتح ثغرات قانونية لشرعنة الترحيل.

لكن خطورة هذا السيناريو لا تكمن في إمكانية تنفيذه بقرار منفرد من واشنطن أو تل أبيب، وإنما في إدارته عبر استراتيجية "الإرهاق المرحلي"، حيث يُترك الوضع الإنساني في غزة ليصل إلى نقطة الانهيار، ثم يُطرح "الترحيل الإنساني" كحل يُلبّي اشتراطات إعادة الإعمار، مستغلًا الغطاء الإغاثي والأبعاد اللوجستية كذرائع لتبرير السياسات القسرية، وفقًا لما صرّح به البستنجي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وهنا، يتبدّى الاختبار الحقيقي للموقف العربي، فبينما يشكّل الرفض المصري والأردني السريع لهذا الطرح خطوة بالغة الأهمية، إلا أن التصدي الفاعل يتطلب بناء استراتيجية عربية استباقية، تتجاوز دائرة رد الفعل نحو تبنّي مشروع سياسي متكامل، يفرض رؤيته على المجتمع الدولي بدلًا من الانكفاء الدفاعي أمام المبادرات المفروضة.

ولفت البستنجي الانتباه إلى أن التصدي للترانسفير يتمثل في ملء الفراغ الاستراتيجي عبر مقاربة عربية شاملة، تشتمل على ثلاثة مستويات مترابطة تبدأ بالمستوى الدبلوماسي والسياسي من خلال بناء تحالف عربي – دولي يطرح مشروعًا بديلًا، يضمن تثبيت الفلسطينيين على أرضهم، ويربط بين إعادة الإعمار وإطار سياسي متكامل يُفضي إلى حلّ الدولتين، ضمن محددات واضحة لا تترك مجالًا لاستغلال المعاناة الإنسانية كمبرر لمشاريع الهندسة الديمغرافية، مرورًا بالمستوى الشعبي والمجتمعي عبر تعبئة القوى الحية في المجتمعات العربية، من نقابات مهنية ومنظمات حقوقية وأطر شبابية، لضمان أن الموقف الرسمي لا يظل معزولًا عن بيئته المحلية، مما يعزّز مناعته أمام أي ضغوط إقليمية أو دولية تسعى إلى تطويعه، ووصولًا إلى المستوى الفلسطيني الداخلي، إذ لا يمكن مواجهة هذا التحدي دون إعادة صياغة المشهد السياسي الفلسطيني، ضمن رؤية وحدوية تدمج بين السلطة الوطنية وحماس ضمن إطار يعترف به المجتمع الدولي، دون السماح بتحويل الانقسامات الداخلية إلى ثغرة تنفذ منها مشاريع التفكيك. 

وهنا، تتحمل الفصائل الفلسطينية مسؤولية تاريخية في تغليب الأولويات الوطنية على الحسابات الفصائلية، تمامًا كما فعلت قوى سياسية أخرى عبر التاريخ، مثل التيار الإسلامي التركي، الذي تمكن من إعادة إنتاج ذاته سياسيًا رغم الإقصاء الأولي.

وفي ظل هذه التعقيدات، فإن الخيار الوحيد لتفادي السيناريوهات الكارثية يكمن في مقاربة متعددة الأبعاد، تتجاوز ردود الفعل إلى صناعة البدائل، وتحويل الأزمة من تهديد وجودي إلى فرصة لإعادة بناء المشهد الفلسطيني والعربي بمحددات جديدة، فالمعادلة اليوم بين فرض مشروع استراتيجي يعيد صياغة موازين القوى، وبين ترك الساحة خالية أمام هندسة إسرائيلية للواقع الفلسطيني، تُنفذ على مراحل، تحت شعارات إنسانية زائفة.

واختتم البستنجي حديثه بالقول إن معركة تثبيت الوجود الفلسطيني ليست خيارًا تفاوضيًا، وإنما معركة بقاء تتطلب تحركًا موازيًا على الأصعدة كافة، من الإغاثي والسياسي إلى الدبلوماسي والإعلامي، فالفراغ في التصورات العربية هو التهديد الأكبر، وليس فقط مخططات الأعداء. 

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير