الشراكة الأردنية الأوروبية.. مناورة اقتصادية أم رسالة سياسية؟

قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الأردن والاتحاد الأوروبي تمثل نقطة تحول فارقة في مسار العلاقات الثنائية، من حيث توقيتها الحاسم، ومضمونها الاستراتيجي الذي يعكس أبعادًا متعددة تتجاوز الجانب الاقتصادي إلى الأطر السياسية والجيوسياسية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الاتفاقية بمثابة إعلانٍ واضح عن متانة الشراكة الأردنية الأوروبية، وتؤكد أن الأردن بعيد كل البعد عن كونه مجرد متلقٍ للمساعدات، إذ إنه شريك فاعل في صياغة سياسات المنطقة، ويستطيع استثمار علاقاته الدولية لتعزيز استقلالية قراراته السيادية.
وبيّن عايش أن هذه الاتفاقية تتجاوز كونها مجرد إطار تعاون مالي أو اقتصادي، إذ إنها تحمل في طياتها رسائل سياسية ودبلوماسية عميقة تعكس قوة الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالة الملك، الذي نجح في تكريس الأردن دولةً محورية في الإقليم، وقادرة على استقطاب دعم القوى الكبرى، فالاتحاد الأوروبي، الذي يرى المنطقة من خلال عدسة الرؤية الأردنية، يؤكد بهذه الاتفاقية التزامه بدعم استقرار الأردن وتعزيز دوره كضامن للأمن الإقليمي، خاصة في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها الشرق الأوسط.
تتضمن الاتفاقية دعمًا ماليًا بقيمة 3 مليارات يورو موزعة بين استثمارات مباشرة، ودعم للموازنة العامة، وتمويل لمشاريع تنموية تمتد بين عاميّ 2025 و2027، ما يعكس ثقة الاتحاد الأوروبي في متانة الاقتصاد الأردني وإمكانياته، خاصة في ضوء رؤية التحديث الاقتصادي التي يتبناها الأردن، والتي تسعى إلى تحقيق تنمية مستدامة وتعزيز بيئة الأعمال والاستثمار، كما أن الاتفاقية تأتي في توقيت حساس يعكس حرص الاتحاد الأوروبي على تقديم بدائل اقتصادية للأردن في مواجهة أي محاولات للضغط عليه ماليًا، خصوصًا من قبل الولايات المتحدة أو أي أطراف أخرى، وفقًا لما صرّح به عايش لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر أن الدعم يشمل أيضًا نقل الخبرات الأوروبية في مجالات التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والتحديث الصناعي، ما يعزز قدرة الأردن على تحقيق قفزات نوعية في القطاعات الاستراتيجية، خاصة فيما يتعلق بمشاريع البنية التحتية الكبرى مثل مشروع "الناقل الوطني"، الذي يعد ركيزة أساسية في تأمين الموارد المائية للأردن.
ونوّه عايش إلى أن هذه الاتفاقية تشكل رسالة واضحة بأن الأردن يمتلك خيارات متعددة تمكنه من المناورة سياسيًا واقتصاديًا، وتفادي أي تبعات قد تترتب على قرارات دولية مثل وقف أو تخفيض المساعدات الأميركية، فبإبرام هذه الشراكة، يثبت الأردن أنه ليس رهينة لأي طرف، وأنه يستطيع تنويع تحالفاته وضمان تدفق الدعم من مصادر متعددة.
كما أن هذه الاتفاقية تكتسب أهمية خاصة في ضوء التطورات الإقليمية، إذ إنها تأتي في ظل تصاعد الأزمات في المنطقة، من الحرب في غزة، إلى التوترات بين القوى الكبرى، ما يجعل الأردن في موقع استراتيجي يتيح له لعب دور رئيسي في تحقيق التوازن والاستقرار الإقليمي.
وأشار إلى أن هذه الشراكة تكتسب أهمية إضافية في سياق الموقف الأردني من القضية الفلسطينية، حيث تؤكد أن الأردن لن يرضخ لأي ضغوط تتعلق بملف التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، فالدعم الأوروبي، الذي يتماشى مع الرؤية الأردنية للسلام والاستقرار، يعزز قدرة الأردن على رفض أي محاولات لإعادة تشكيل الخارطة الديموغرافية في المنطقة على حساب الفلسطينيين، وهو ما يتوافق مع الموقف الثابت الذي لطالما تبنته الدبلوماسية الأردنية في المحافل الدولية.
ولفت عايش الانتباه إلى أن الاتحاد الأوروبي كان شريكًا رئيسيًا للأردن في مواجهة الأزمات، من جائحة كورونا إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، إلى تقديم الدعم خلال التصعيد في غزة، إذ تشير الأرقام إلى أن الاتحاد الأوروبي كان من أكبر المانحين للأردن، حيث قدم مساعدات تجاوزت 950 مليون يورو في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى الدعم المستمر للمشاريع التنموية والإصلاحات الاقتصادية.
ولعل ما يميز هذا التعاون أنه لا يستند فقط إلى المصالح الاقتصادية، بقدر ما يلتقي مع تقارب في الرؤى والقيم، حيث يتبنى الأردن نموذجًا قائمًا على السلام، والتعاون الإقليمي، والتنمية المستدامة، وهي المبادئ ذاتها التي تشكل أساس السياسات الأوروبية في المنطقة.
واختتم عايش حديثه بالقول إن هذه الاتفاقية بمثابة إعلان عن تحالف سياسي واقتصادي طويل الأمد، يضع الأردن في موقع أكثر قوة، ويمنحه القدرة على الاستمرار في تنفيذ رؤيته التنموية والاستراتيجية بثقة وثبات.