المغاربة لـ"أخبار الأردن": هذا ما يخفيه تنصيب الشرع
![{title}](/assets/2025-01-30/images/9_news_1738186151.webp)
قال الخبير العسكري محمد المغاربة إن تنصيب أحمد الشرع رئيسًا انتقاليًا للجمهورية السورية جاء بقرار من إدارة العمليات العسكرية، وبدعم مباشر من الفصائل المسلحة، مؤكدًا بذلك أن ميزان القوى في سوريا قد انتقل بشكل كامل إلى الفاعلين العسكريين ومموليهم الإقليميين والدوليين، متجاوزًا الأطر السياسية التقليدية للمعارضة السورية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المؤسسات السياسية التي لطالما احتكرت تمثيل المعارضة، كـ "الائتلاف الوطني السوري"، إلى جانب التجمعات المدنية والشخصيات المعارضة ذات التاريخ الطويل، لم يعد لها أي تأثير يُذكر في صناعة القرار بعد سقوط نظام الأسد، ولم تحظَ بأي دور في هندسة المرحلة الجديدة، الأمر الذي يعكس انتهاء حقبة السياسة التقليدية لصالح المعادلات العسكرية المباشرة.
تفكيك النظام السابق: قرار إقليمي ودولي مشترك
وبيّن المغاربة أن القرارات الحاسمة التي تمخض عنها اجتماع الفصائل العسكرية، والتي شملت إلغاء النظام السابق بكل مؤسساته العسكرية، والحزبية، والتشريعية، والدستورية، وتشكيل هيكلية سياسية وأمنية بديلة، كانت نتاج توافق إقليمي ودولي واسع النطاق، فاختيار الشرع رئيسًا، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة، والتكليف بإنشاء مجلس تشريعي انتقالي لصياغة دستور جديد، لم يكن ليتم بهذه السلاسة لولا وجود دعم إقليمي قوي وتوافق بين الفاعلين الدوليين على إنهاء حالة الفراغ السياسي لصالح قيادة جديدة مدعومة دوليًا.
واستطرد قائلًا إن اللافت في هذا السياق هو أن كافة الفصائل المسلحة التي كانت تتلقى الدعم من دول إقليمية متعددة باتت اليوم أمام واقع جديد، حيث جرى رفع الغطاء عن بعض القوى التي كانت تتحرك خارج هذا التفاهم الدولي، في مقابل إعادة ترتيب المشهد بحيث تتماهى القيادة الجديدة مع المصالح الإقليمية والدولية الكبرى، وهو ما يعكس تغيرًا جذريًا في طبيعة الصراع السوري.
السعودية وهندسة المشهد الجديد
التحولات التي شهدها المشهد السوري لم تكن بمعزل عن الدور المحوري للمملكة العربية السعودية، التي يبدو أنها لعبت دورًا رئيسيًا في تأمين الاعتراف الإقليمي والدولي بالترتيبات الجديدة، وهذا ما تؤكده حقيقة أن أول زيارة خارجية مرتقبة للرئيس الانتقالي الجديد ستكون إلى الرياض، في مؤشر واضح على الدور السعودي في رسم ملامح المرحلة المقبلة، في خطوة تعكس توافقًا سعوديًا - سوريًا على رؤية مشتركة للحفاظ على وحدة سوريا، بعيدًا عن التدخلات الإقليمية التي كانت تعارض أي تغيير لا يتماشى مع مصالحها الأيديولوجية، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر أن هذا التفاهم الإقليمي يعكس أيضًا اتساع الهوة بين الدول التي تبنّت خيار دعم الاستقرار السوري وبين تلك التي استثمرت في الفوضى، فالأطراف التي كانت تراهن على استمرار الفوضى أداةً للتأثير في سوريا وجدت نفسها معزولة أمام إرادة إقليمية جديدة تهدف إلى إنهاء حالة عدم الاستقرار وإعادة سوريا إلى منظومة الدولة الفاعلة، ولو بتركيبة جديدة تفرضها الوقائع العسكرية والسياسية.
روسيا: مباركة حذرة وعودة إلى الواقعية السياسية
ولفت المغاربة الانتباه إلى أن التوافق على المرحلة الجديدة امتد ليشمل روسيا، التي يبدو أنها وجدت في هذه الترتيبات مخرجًا استراتيجيًا يضمن لها استمرار نفوذها في سوريا، دون التورط في سيناريوهات غير محسوبة العواقب، ولم يكن من قبيل المصادفة أن يتزامن اجتماع الفصائل العسكرية وتنصيب الشرع مع زيارة وفد روسي رفيع المستوى إلى سوريا، وهي زيارة عكست دعم موسكو الضمني لهذه الترتيبات الجديدة، ولو بشروط.
وتابع أن التوقيت هنا بالغ الأهمية، إذ يأتي وسط تصاعد المخاوف الإقليمية والدولية من قرارات غير متوقعة قد تصدر عن إدارة ترامب، التي أثبتت سابقًا أنها لا تخضع لمنطق الحسابات التقليدية في إدارة ملفات الشرق الأوسط، ولعل هذا الاستعجال في ترتيب البيت السوري داخليًا ينبع من رغبة إقليمية في قطع الطريق على أي تحولات غير محسوبة قد تفرضها واشنطن، سواء عبر فرض سياسات جديدة أو دعم لاعبين غير مرغوب فيهم داخل الساحة السورية.
الإعلام الإقليمي: خطاب موحّد ورسائل غير مباشرة
وأشار المغاربة إلى أن أحد المؤشرات المهمة التي تكشف حجم التوافق حول النظام الجديد في سوريا هو الخطاب الإعلامي الإقليمي، الذي بدا متماسكًا بشكل غير مسبوق تجاه هذه الترتيبات، على عكس الانقسامات الإعلامية السابقة التي عكست تباينات سياسية حادة حول قضايا المنطقة، مبينًا أن هذا الاصطفاف الإعلامي يشير بوضوح إلى أن الدعم السياسي للنظام الجديد في سوريا يعد جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تثبيت الأوضاع الجديدة وإغلاق الباب أمام أي محاولات لزعزعة الاستقرار.
وفي ضوء هذه المعطيات، تبدو فرضية نشوء ثورة مضادة مدعومة إقليميًا ضد النظام السوري الجديد احتمالًا ضعيفًا، إن لم يكن مستحيلًا، فالمعادلات الإقليمية والدولية التي أفرزت هذا التغيير ليست في وارد السماح بأي ارتدادات تعيد الفوضى إلى سوريا، خاصة في ظل إدراك الجميع أن أي اضطرابات جديدة قد تهدد استقرار المنطقة برمتها، وليس سوريا وحدها.
واختتم المغاربة حديثه بالقول إن ما يحدث اليوم في سوريا يعد إعادة هيكلة جذرية للمشهد السوري برمته، حيث باتت موازين القوى تميل لصالح الفاعلين العسكريين والداعمين الإقليميين، على حساب القوى السياسية التقليدية، ومع بروز توافق إقليمي ودولي على شكل المرحلة المقبلة، فإن سوريا تدخل اليوم مرحلة جديدة، يكون فيها القرار الفعلي بيد الفصائل المسلحة المدعومة إقليميًا، وسط غطاء سياسي ودبلوماسي يوفره التحالف السعودي - الروسي، في مشهد يعكس توازنات إقليمية ودولية أعمق من مجرد تغيير قيادة سياسية.
وتابع قائلًا إن الأسئلة التي تطرح نفسها الآن هي: كيف سيتعامل المجتمع الدولي مع هذه المتغيرات؟... وهل ستقبل القوى الغربية بهذه الترتيبات دون محاولة إعادة خلط الأوراق؟.