العتوم لـ"أخبار الأردن": تصفية القضية الفلسطينية سياسة أميركية رسمية
![{title}](/assets/2025-01-30/images/9_news_1738185743.webp)
قال الباحث المتخصص في الشأن السياسي الدكتور نبيل العتوم إن معالم الموقف الأميركي تجاه القضية الفلسطينية غير واضحة، إذ من الملاحظ تراجع التزام الإدارة الأميركية بحل الدولتين، وهو ما يعكس تغيرًا جوهريًا في أولويات السياسة الخارجية الأميركية تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه منذ طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لـ"صفقة القرن"، بدا أن النهج الأميركي بات يتجه نحو تصورات اقتصادية تُختزل في ما يسمى بـ"السلام الاقتصادي"، وهو ما يُعد خروجًا عن الأسس السياسية التي يُفترض أن يرتكز عليها أي حل دائم وعادل، مضيفًا أن هذا الطرح مرفوض فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، نظرًا لأنه لا يحقق الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولا يضمن قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
ونوّه العتوم إلى أنه لا يمكن النظر إلى القضية الفلسطينية على أنها مجرد ملف ثانوي أو قضية إنسانية يُمكن تسويتها عبر حلول اقتصادية مجتزأة، كما حاولت إدارة ترامب تصويرها، ذلك أنها المحرك الأساسي لدوامة العنف في المنطقة، والعامل الذي يدفع أطرافًا إقليمية ودولية إلى التدخل في شؤون الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن أي مقاربة لا تأخذ في الاعتبار هذا البعد الاستراتيجي ستظل قاصرة عن تحقيق سلام حقيقي ومستدام، بل على العكس، ستفتح المجال أمام مزيد من الفوضى والانفلات الأمني، مما يتيح لقوى متعددة إعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة وفق مصالحها الخاصة.
واستطرد قائلًا إن التجارب أثبتت أن محاولات فرض حلول مجتزأة لن تؤدي سوى إلى مزيد من التوترات، وهو ما حدث بالفعل عندما طرحت الإدارة الأميركية السابقة صفقة القرن عام 2016، فقد لاقت الخطة رفضًا واسعًا ليس فقط من الجانب الفلسطيني، إلى جانب دول عربية وعواصم أوروبية، رأت فيها خطة غير متكاملة لن تؤدي إلى تحقيق الاستقرار، ولن تضمن حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
وأشار العتوم إلى أن ما يثير القلق حاليًا هو عودة بعض الأفكار القديمة إلى الطرح الأميركي، مثل مسألة الترحيل الجماعي للفلسطينيين، وهو ما يعكس قبولًا ضمنيًا من الإدارة الجمهورية الحالية بالرؤية الإسرائيلية للصراع، فعلى الرغم من أن ترامب لم يتحدث عن هذا الموضوع رسميًا ضمن دعايته الانتخابية، إلا أن حديثه الأخير حول إمكانية نقل مليون فلسطيني من قطاع غزة أثار جدلًا واسعًا، حيث بدا وكأنه يتعامل مع القضية الفلسطينية وكأنها مجرد مشكلة إنسانية يمكن حلها عبر "إعادة التوطين".
وهنا تتجلى المفارقة الصارخة في الخطاب الأميركي؛ ففي الوقت الذي تفرض فيه الولايات المتحدة قيودًا صارمة على استقبال اللاجئين القادمين إليها عبر البحر لأسباب إنسانية، نجدها تدفع باتجاه ترحيل الفلسطينيين من أراضيهم، وتطالب الدول الأخرى بقبولهم، وهذه الازدواجية في المعايير تكشف بوضوح أن السياسة الأميركية لم تعد تنظر إلى الفلسطينيين كشعب له حقوق سياسية مشروعة، وإنما كملف يجب تصفيته بأي وسيلة كانت، وفقًا لما صرّح به العتوم لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
إلى جانب الطروحات الأميركية، تستمر إسرائيل في تنفيذ استراتيجية متدرجة لتصفية أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة، عبر تصعيد سياسة الاستيطان على نحو غير مسبوق، فقد أظهرت الإحصاءات أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية قد بلغ 727 ألف مستوطن، يشكلون نحو 14% من السكان، إلا أنهم يسيطرون فعليًا على 42% من الأراضي، ويستحوذون على 82% من الثروات الطبيعية في الضفة، وإضافة إلى ذلك، فإن الاحتلال الإسرائيلي يعمل إلى جانب توسعه الاستيطاني على دعم المستوطنين عبر توزيع كميات كبيرة من الأسلحة عليهم، كما فعل وزير الأمن الإسرائيلي مؤخرًا عندما منح المستوطنين 100 ألف قطعة سلاح، في خطوة خطيرة تعكس نية إسرائيل إشعال صراع داخلي دائم يمنع أي إمكانية لقيام كيان فلسطيني مستقل.
وبيّن العتوم أن إسرائيل تواصل فرض مزيد من الضغوط الاقتصادية على السلطة الفلسطينية، عبر منع تحويل أموال الضرائب والعوائد المالية، وهو ما يُضعف قدرة السلطة على القيام بمهامها، ويهدف إلى تقويض نموذج الحكم الذاتي الفلسطيني بالكامل، إذ إن هذا النهج ليس مجرد سياسة إسرائيلية عابرة، ليمتد إلى جزء من مخطط أوسع يهدف إلى جعل وجود السلطة الفلسطينية أمرًا شكليًا لا يمتلك أي أدوات حقيقية للسيطرة على الأرض أو إدارة شؤون الفلسطينيين.
الأردن وتداعيات الطرح الأميركي: هواجس ديموغرافية وأمنية
وتابع أنه لا يمكن فصل هذه التطورات عن تداعياتها على الأردن، الذي يحتضن 13 مخيمًا للاجئين الفلسطينيين موزعة على خمس محافظات، ويستضيف نحو 4.8 مليون لاجئ فلسطيني، يعيش 18% منهم في المخيمات، إلى جانب ذلك، هناك ما يقرب من 1.3 مليون لاجئ سوري، ما يجعل الأردن في قلب واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا في العالم، مشيرًا إلى أن أي محاولة لفرض حلول تتضمن توطين مزيد من اللاجئين الفلسطينيين على الأراضي الأردنية ستؤدي إلى خلل ديموغرافي عميق، وستشكل تهديدًا للأمن القومي الأردني.
من هنا، كان موقف جلالة الملك عبد الله الثاني حاسمًا وواضحًا، حيث أكد رفضه القاطع لأي طرح يتعلق بالتهجير أو التوطين، وشدد على رفض الأردن لما يسمى بالخيار الأردني أو الوطن البديل
التصريحات الأميركية: اختبار للمنطقة أم توجه استراتيجي جديد؟
في ضوء كل ما سبق، يظل السؤال المطروح: هل التصريحات الأميركية الأخيرة مجرد "بالون اختبار" لجس نبض الدول العربية وإسرائيل نفسها، أم أنها تعكس توجهًا استراتيجيًا جديدًا نحو إعادة صياغة أسس التعامل مع القضية الفلسطينية؟، كما تساءل العتوم.
وأشار إلى أنه لا يمكن استبعاد أن تكون هذه الطروحات جزءًا من محاولة أميركية لاستكشاف مدى تقبل الأطراف المختلفة لمثل هذه الأفكار قبل طرحها بشكل رسم، إذ إن ما هو واضح حتى الآن هو عدم امتلاك الإدارة الأميركية لخبرة حقيقية في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وتحديدًا القضية الفلسطينية، ما يجعل سياساتها عرضة للتأثر بالضغوط الإسرائيلية بشكل كبير، وهذا يعني أن المرحلة المقبلة تتطلب موقفًا عربيًا موحدًا يرفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، ويعيد التأكيد على ضرورة حل الدولتين باعتباره الخيار الوحيد القادر على تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة.