البطاينة يكتب: الهوية الوطنية بين الأيديولوجيا والتطبيق

{title}
أخبار الأردن -

 نضال فيصل البطاينة

في الوقت الذي نحتاج فيه إلى تمتين جبهتنا الداخلية وتعزيز الصمود الداخلي لمجابهة الضغوطات والمخاطر الإقليمية والعالمية، تظهر بعض الممارسات غير المسؤولة من البعض..

البعض يتراقص على نغمات الإقصاء للغير وشعور مواطنة الدرجة الأولى وما سواه درجة ثانية، والبعض الآخر يشعرك بعدم الانتماء لهذا البلد وكل شأن يتقدم عنده عن الشأن الأردني وكأنه بهذا البلد في محطة ترانزيت.

نعم أصبحت هذه الممارسات مهنة لدى البعض عن جهل والبعض الآخر عن عمد والنتيجة سواء وهي النيل من جبهتنا الداخلية.

توجد فئة تحاول تقزيم صورة هذا البلد الكبير إلى جغرافيا تحتضنه اليوم ولكن لا ولاء له إلّا لمن يقدّم له مزايا وأعطيات، ويُرهن الانتماء لديه لمن يدعمه ويموله، كما توجد فئة قد تمادت أكثر بأن تخاطب الناس بأنها تملك الجغرافيا الأردنية وتؤجّر باقي السكان، كل ذلك وأكثر تجده عند متابعة مواقع التواصل الاجتماعي -على أقل تقدير-.

لقد عاش آباؤنا وأجدادنا ونعيش نحن في هذا البلد على المقسوم، وتداولنا أيامنا عليه صعابا وكروبا، وكنّا شركاء للهم فيه قبل الفرح، وهذا ما يحتّم علينا كأردنيين -لا فرق بيننا إلّا بالمواطنة الصالحة-، أن نقف أمام هذه المحاولات التي تؤثّر سلباً على نسيجنا الوطني، فهذا البلد له شأن ونملك تاريخاً يشرّف كل من يحمل الهوية الوطنية، فهل نحن اليوم أقل هشاشة بأن تهزّنا قصة سيدة تتحدث عن البندورة؟!! لم أسمع في حياتي أن أميركياً من أصول إسبانية تحدث عن منتج دخل أميركا في عام محدد واصبحت روايته شأناً عاماً أقام الدنيا وأقعد?ا!

لا أدري، هل تلك السيدة أثّرت على هويتنا الوطنية إذا قالت إن البندورة لم تكن معروفة لدينا عام ١٩٤٨؟، أم كانت البندورة على العلم الأردني وأسقطناها عنه؟لماذا إفترضنا بها سوء النية وأخرجناها من الملة.

هذه القصة وغيرها يجب أن تفتح أعيننا جميعاً، على أن الهوية الوطنية تحتاج لصلابة أكثر من الهزات التي قد نتعرّض لها نتيجة الواقع الجيو-سياسي في المنطقة، وبأن هناك عمليات جراحية دقيقة تحتاجها الهوية الوطنية، للعودة لزمن كانت هويتنا ودولتنا أقوى وأقوى، أنا هنا لا أتحدث عن دقة معلومة السيدة من عدمها، إنما أتحدّث عما هو أعمق من ذلك، فهذا العارض قد يكون لمرض وجرح غائر هناك في ثنائية الانتماء للأرض والهوية كأيديولوجيا تجمعنا جميعاً، بعيداً عن الاستقطابات المتعددة والولاءات المتعددة، فهذه الأرض لا تحتمل إلّا هوية وط?ية واحدة، هي الهوية الوطنية الأردنية، ونحن في الأردن لا نملك ترف الوقت لأن ندخل في مهاترات وسجالات يكون الخاسر فيها منّا، لأننا في واقع جيو سياسي ملتهب يجب أن نلتفت له وأن نترفّع عن كل ما دون ذلك لأن همنا واحد وهو الأردن.

هذا الأمر يحتاج حلولاً وتدخلات عاجلة على الصعيدين الاجتماعي والتشريعي، والعودة لاستخدام عصا سيادة القانون أمام كل من تسوّل له نفسه العبث بالنسيج الاجتماعي للأردن، سواء أكانوا أفراداً أم جماعات، وباعتقادي بأن الحل يحتاج أولاً لأيدٍ ثابتة تراعي مصلحة الدولة الأردنية، وليس أيدي مرتجفة وتعاني من -فوبيا اتخاذ القرار-، بما في ذلك الجرأة على الحديث وعدم ترك الباب على الغارب -لا سمح الله- أمام هذا الكمّ من الطعن بالهوية وصورة الدولة بشكل عام، ولعلّ من هذه الحلول طرح مشروع لقانون يزيد من التسامح ويحد من خطاب الكراه?ة بين الناس ويغلظ العقوبات على أي خطاب يتحدّث عن الأصول أو الدين أو الجنس دام كلنا أردنيين، يشدد العقوبة على من يقسّم الأردن على أهوائه بما يساعده على تنفيذ أجندته أو أجندة من يموّله، سواء أكان ذلك صراحة أو تلميحاً. هذا القانون تم تشريعه بعض الدول منذ سنوات حتى خصصوا وزيراً للتسامح، ومنذ ذلك الوقت تلاشت مثل تلك الممارسات وأصبح الحديث بها خط أحمر.

الحديث عن الهوية الوطنية أصبح إجبارياً ولا مجال للتغاضي وترك الجرح ملتهباً، حتى لا نصل لمرحلة -لا سمح الله- يكون فيها الخرق قد اتسع على الراقع، وبناءً على ما سبق، أعتقد أننا لسنا فقط بحاجة إصلاح سياسي واقتصادي وإداري، إنما أيضاً نحتاج لمنظومة إصلاح اجتماعي، تراعي الهوية الوطنية وتضع محددات قوتها وعوامل إضعافها، وتكون هناك دراسة جدّية حول ذلك، وبالتالي تكون مخرجاتها أكثر دقّة، وعلى الدولة أن تتدخل بينياً في ذلك، بأن تكون الضامن على إخراج هذا المشروع بطريقة تليق بالأردن وتاريخه المشرّف، عنوانه الأول لا للإقص?ء وإعادة ترتيب البيت الداخلي الأردني، تكون فيه عمان العاصمة أهم من باقي العواصم، والانتماء لها أهم من كل الانتماءات والهويات الفرعية الضيّقة، ومع الاحتفاظ بحق كل أردني منّا بالفخر والاعتزاز بأصوله، نعم أنا كابن عشيرة البطاينة مثلا أعتز بأصولي الشمرية ولكن هذا لا يتعارض عندي مع أن الأردن أولا وعمان أهم العواصم والمصلحة الأردنية العليا أهم من أي مصلحة لأي طرف آخر مهما كانت قريبة لقلوبنا.

إن سيد الخلق يقول لا فرق بين عربي وأعجمي إلّا بالتقوى، ونحن نقول لا فرق بين أردني وغيره إلّا بالمواطنة الصالحة ومقدار ما قدمه ويقدمه لهذا البلد؛ المزارع والمعلم والطالب والوزير والنائب والطبيب والسائق كل من مكانه وموقعه.

حمى الله الأردن شعبا وأرضا وقيادة، وسياجنا قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية.

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية