إيران تحت وقع الصدمة... وانقسامات داخل الغرف المغلقة

{title}
أخبار الأردن -

قال الباحث المتخصص في الشأن السياسي الدكتور نبيل العتوم إن إيران تعيش اليوم واحدة من أصعب لحظاتها الاستراتيجية، إذ تواجه نكبة كبرى تمثلت في خسارتها لنفوذها العميق في سوريا، التي كانت تُعدّ الركيزة الأساسية في مشروعها الإقليمي، بل "درة التاج" في طموحاتها التوسعية. 

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن سوريا كانت بالنسبة لطهران ذات أهمية استراتيجية تتجاوز حتى منطقة خوزستان الإيرانية، المعروفة بكونها مركز الثقل النفطي للجمهورية الإسلامية.

وبيّن العتوم أن هذه الضربة الاستراتيجية أفضت إلى حالة من التخبط والارتباك داخل أروقة صناع القرار الإيرانيين، ما انعكس جليًا في تضارب التصريحات بين المسؤولين، فكل ساعة تحمل معها تصريحات جديدة تُظهر محاولات حثيثة للهروب من المسؤولية عبر إلقاء اللوم على أطراف مختلفة، في مشهد يعكس هشاشة الموقف الإيراني أمام هذه التطورات المتسارعة.

 

تآكل النفوذ ومظاهر الانقسام الداخلي

في ظل التراجع الإيراني في سوريا، بدأت تظهر انقسامات واضحة داخل النظام الإيراني بشأن تفسير أسباب هذه الخسارة. بعض المسؤولين أشاروا صراحةً إلى أن انهيار نظام بشار الأسد كان نتيجة "خيانة" من داخل الجيش والأجهزة الأمنية السورية، كما جرى الحديث عن رفض النظام السوري لمقترحات إيرانية لإنشاء "حرس ثوري سوري" على غرار الحرس الثوري الإيراني، وهو ما كان يُفترض أن يشكل درعًا لحماية النظام، كما أن رفض الأسد لهذا المقترح عمّق أزمة الثقة بين الطرفين، وأثار تساؤلات حول استراتيجية إيران في إدارة علاقاتها مع حلفائها، التي تبدو أحيانًا معتمدة بشكل مفرط على أشخاص بعينهم دون بناء مؤسسات أو منظومات متماسكة.

ونوّه العتوم إلى أن هذه الانتكاسة لم تقتصر على الجانب السوري، بل امتدت إلى الداخل الإيراني، حيث تصاعدت الانتقادات بشأن تعاطي القيادة الإيرانية مع الأزمة السورية، كما أن حدة هذه الانتقادات ازدادت مع الإشارة إلى فشل السياسة الإيرانية في تحقيق توازن بين العمل العسكري والميداني وبين الدبلوماسية السياسية، فضلًا عن عجزها في بناء قنوات فعالة مع الأجهزة الأمنية السورية والقيادات العسكرية العليا.

الخلافات مع روسيا: شرخ في الحلف الاستراتيجي

إلى جانب هذه التحديات، تصاعد التوتر بين طهران وموسكو في ظل تبادل الاتهامات بين الطرفين، فقد بدأت إيران بتوجيه أصابع الاتهام إلى روسيا، معتبرة أنها السبب الرئيسي في سقوط نظام الأسد أو على الأقل في تعميق أزمته، وتجلّت هذه الاتهامات في تصريحات لمسؤولين إيرانيين، أشاروا إلى أن روسيا "خانتها" عبر عدم الوفاء بتعهداتها بتقديم طائرات مقاتلة ومنظومات دفاع جوي كان من المفترض أن تساعد في حماية الأجواء السورية والإيرانية، خصوصاً بعد الهجوم الذي وقع في 26 أكتوبر.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل اتهمت إيران روسيا بتسريب معلومات استخباراتية إلى إسرائيل، ما أدى إلى تنفيذ عمليات اغتيال استهدفت قيادات بارزة في الحرس الثوري الإيراني. هذا الاتهام، الذي صدر عن شخصيات رفيعة مثل علي لاريجاني، يعكس مدى التصدع في التحالف الإيراني - الروسي، والذي يبدو أنه بات مهددًا بفعل المصالح المتضاربة بين الجانبين.

خشية من تداعيات داخلية وإقليمية

واستطرد العتوم قائلًا إنه على الصعيد الداخلي، يبدو أن النظام الإيراني يخشى تداعيات هذه الانتكاسة على استقراره الداخلي. إذ أن هذه الخسارة في سوريا لا تعني فقط تراجعًا لنفوذ إيران الإقليمي، بل قد تكون لها ارتدادات على تماسك النظام ذاته، الذي يواجه أصلًا ضغوطًا داخلية بفعل الأزمات الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية.

إقليميًا، تُعد هذه النكسة ضربة قاصمة لمشروع إيران في المنطقة، الذي كان يعتمد على سوريا كمحور رئيسي لتمرير سياساتها وتعزيز حضورها العسكري والسياسي. ومع تعمّق الخلاف مع روسيا، يبدو أن إيران تقف أمام تحديات غير مسبوقة تتطلب إعادة صياغة لاستراتيجياتها وتحالفاتها، إذ لم يعد بإمكانها الاستمرار في التعويل على نفس الأدوات القديمة لمواجهة واقع دولي وإقليمي متغير.

واختتم العتوم حديثه بالقول إن فقدان إيران لنفوذها في سوريا يشكل نقطة تحول كبرى في مسارها الإقليمي، حيث باتت تواجه خيارات ضيقة ومعقدة للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر. وبينما تحاول طهران ترميم علاقاتها وحشد قواها، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتمكن من إعادة بناء نفوذها، أم أن هذه الضربة ستكون بداية لتراجع أكبر في مشروعها الإقليمي؟

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير