إن غدا لصانعه قريب

{title}
أخبار الأردن -

  سائد كراجة

العرب هم «الغائب الخاسر» عن مستقبل سورية، وهم مقاولون من الباطن - اختيارا كان أم انصياعا - للمخطط الصهيوني الأنجلو أميركي في سورية، فإسرائيل متوترة من الفراغ الذي تركه انهيار نظام الأسد، النظام الذي جمد أي مواجهة معها بحجة اختيار لحظة المعركة المناسبة! ولهذا، ترسل إسرائيل الوفود الأوروبية إلى الجولاني لفحصه وفحص وتقييم مدى ملاءمته لمصالحها. وحتى الآن، - وربنا الله - المؤشرات تبدو مطمئنة! 

منذ الثمانينيات من القرن العشرين تناغمت مشاريع أميركية صهيونية ورسمت إستراتيجية حول دول الشرق الأوسط، فنشر برنارد لويس الأميركي الصهيوني مشروعه لتقسيم العراق وسورية وكذلك فعل المؤرخ الصهيوني والخبير في الشؤون السورية إيال زيسر، ونجد أيضا الوثيقة الصهيونية المشهورة المعروفة باسم خطة ينون، كل هذه المشاريع تتفق على ضرورة تقسيم سورية لدويلات سنية وعلوية وكردية، دويلات غالبا ما ستكون متناحرة ومرتهنة وذلك حماية لإسرائيل. 
 

أغلب الظن أن الشرع سوف ينجح في تأسيس دولة مركزية بدستور يعلن أن دين الدولة الإسلام، هذه الدولة ستكون أقرب للنموذج التركي؛ علمانية بأحزاب إسلامية، وسوف تدعي الولاية والسيطرة على كل الأراضي السورية لكنها سوف تتصالح مع مناطق عازلة خارجة عن سيطرة الدولة كليا أو جزئيا، وقد وسعت إسرائيل المنطقة العازلة المتشكلة بناء على اتفاقيات الهدنة بينها وبين نظام الأسد منذ1974 لتشمل حوال 350 كيلو مترا داخل الأراضي السورية واستغلت فرصة انهيار النظام واحتلت جبل الشيخ، ومن جهة أخرى أنشأت تركيا منطقة عازلة على الحدود بينها وبين سورية وتخطط كما يشاع لتوسيعها بحيث تشمل مساحة تقارب مساحة لبنان! وبهذا قد لا تقسم سورية فعلا إلى دويلات لكنها حقا ستكون مناطق مهمة تحت انتداب إسرائيلي ومناطق تحت انتداب تركي فعلي ! 
الدبلوماسية الأردنية تعمل بجد لتأمين حدود الأردن مع سورية، وذلك دعما لوجود دولة سورية مركزية غير مفتتة تضمن سيطرة الدولة وجيشها النظامي الرسمي على الحدود، وهذا الأمر ليس سهلا وتطبيقه ليس يسيرا، فإن حل مليشيات وضمها للجيش لا يعني انتفاء خلافاتها العقائدية ومصالحها المادية، وسوف تظل هذه المليشيات، رغم ارتدائها الزي العسكري الموحد لجيش الدولة، خاضعة لتأثير المشاريع الاستخبارية والاستعمارية. كما لا أعتقد أن إيران، التي خسرت المواجهة المباشرة في المنطقة، سترفع يدها عن المنطقة، خاصة عبر الحدود العراقية. وقد يجد الأردن نفسه مضطرا لتأمين ترتيبات لعزل منطقة على حدوده، إن أمكنه ذلك!

شاهدنا في الحديث أن فرحة السوريين بانهيار نظام الأسد، بما مثّله لأغلبهم من بطش وفساد ومحسوبية وظلم واضطهاد - وهو فرح مستحق- لا يعني بالضرورة وللأسف انتهاء معاناتهم، فإن سورية القادمة - وهو ما لا نتمناه - لا تختلف كثيرا عن أغلب دول الجامعة العربية باعتبار أن استقلالها السياسي والاقتصادي والاجتماعي منقوص بتأثير المشروع الصهيوني، والذي سيقاوم بقوة سياسية وعسكرية قيام الدولة السورية التي نحلم بها!

كيف سنخرج في العالم العربي من هذا المأزق الحضاري السياسي العسكري الإنساني الاقتصادي؟ هذا هو سؤال المرحلة؛ فإن أحداث السابع من أكتوبر - وبغض النظر عن موقفك أو تقييمك أو رؤيتك لها - استرجعت حقيقة المشروع الامبريالي الصهيوني للمنطقة، وإن وضع مشروع عربي أو شرق أوسطي محدد بزمن

 لمقاومة المشروع الصهيوأنجلو أميركي أصبح مصلحة عربية عليا، فإن جميع الدول العربية مستهدفة، ولا تملك أي منها بمفردها خلاصا فرديا من هذا الخطر. نحن بحاجة إلى تغيير رؤيتنا القديمة التي تقول: «إن غدا لناظره قريب»، إلى رؤية جديدة تقول: «إن غدا لصانعه قريب». وللحديث صلة، جنابك.


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير