البراري يوضح كل ما يحاك حول القضية الفلسطينية

{title}
أخبار الأردن -

 

قال أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية الدكتور حسن البراري إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 2000، أي منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، تمثل مصالح الاحتلال والاستيطان والتوسع بشكل مباشر، بالتالي، لا يوجد داخل إسرائيل أي نقاش جدي حول المبادئ الأساسية التي بُنيت عليها هذه السياسات، بمعنى أن دور الحكومة الإسرائيلية يتمحور حول دعم المشروع الاستيطاني الصهيوني، وهو مشروع استعماري واضح الأهداف والمعالم.

وأوضح لدى حديثه لقناة "التلفزيون الأردني"، رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن هناك فرض لضريبة "الأرنونا" أو ما يُعرف بالمثقلات، إذ تُعد وسائل ضغط تهدف إلى تهويد المدينة المقدسة وطرد سكانها الفلسطينيين، فإسرائيل تواجه مشكلة ديموغرافية كبيرة تتجاوز مسألة الأرض والبعد الديني، إذ لا يمكنها تقبّل مدينة يقطنها عدد كبير من السكان الفلسطينيين.

منذ عام 1967، وبعد ضم مدينة القدس مباشرة عقب الحرب، لم تُقدم إسرائيل على ضم الضفة الغربية بشكل كامل، وربما يتم ذلك في المستقبل، ومع ذلك، فإن النقاشات الداخلية في إسرائيل حول هذا الموضوع لا تصنع فارقًا لصالح أي مقاربات عربية، فلا يوجد داخل إسرائيل جدل حقيقي حول أحقيّة الصهاينة واليهود في التوسع، والخلافات الموجودة تتعلق فقط بوتيرة هذا التوسع ومدى التدرج فيه، ولا تعكس أي انقسامات جوهرية، وخصوصًا فيما يخص القدس.

دور الولايات المتحدة وإعادة صياغة الشرق الأوسط

وبيّن البراري أنه في ظل الحديث عن إعادة صياغة الشرق الأوسط بقيادة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، طرحت العديد من التساؤلات حول كيفية استيعاب إسرائيل في محيطها الإقليمي، ولا شك أن إسرائيل واجهت تحديات كبرى بعد انتفاضة الأقصى وخاضت حروبًا على جبهات متعددة، وحققت إنجازات عسكرية كبيرة، سواء في غزة أو في مواجهة محور المقاومة الممتد إلى إيران وسوريا ولبنان، ومع ذلك، فإن هذه الإنجازات لم تكن بلا ثمن؛ فقد دفعت إسرائيل أثمانًا باهظة على صعيد الاقتصاد، والأرواح، والسمعة الدولية، وحتى صورتها العامة، التي لم تعد مصدر فخر للإسرائيليين.

في المقابل، التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية اكتسب زخمًا كبيرًا، ولكنه بقي تضامنًا "بلا أنياب"، إذ لم يُترجم إلى سياسات عملية، واليوم، يأتي الحديث عن نسخة جديدة من "صفقة القرن"، يكون عنوانها هذه المرة المملكة العربية السعودية، ذلك أن ترامب يريد تحقيق تطبيع بين السعودية وإسرائيل، ولكن المملكة أعلنت بوضوح أنه لن يكون هناك تطبيع دون منح الفلسطينيين دولة مستقلة.

الموقف السعودي وتغير المعادلة

ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أشار في إحدى مقابلاته إلى وجود رأي عام سعودي مؤيد للقضية الفلسطينية، وهو ما يُدركه جيدًا، كما أن هناك شعورًا متزايدًا بالخطر من التوسع الإسرائيلي الذي بات منفلتًا من عقاله، لذلك، أعتقد أن شروط السعودية للتطبيع ستكون أشد وأقوى من ذي قبل.

ترامب، الذي أسس الاتفاقيات الإبراهيمية على مبدأ "سلام مقابل سلام"، لن يتمكن من تحقيق تقدم كبير في ظل هذه المتغيرات، فالسعودية تدرك تمامًا التحولات الجارية وتعي أهمية مراعاة الرأي العام العربي، وهذه المواقف تفند مزاعم اليمين الإسرائيلي بأن الحكومات العربية لا تهتم بالقضية الفلسطينية سوى شكليًا.

الموقف الأمريكي من إسرائيل: حقيقة ثابتة

ونوّه البراري إلى مقولة قديمة في الولايات المتحدة الأمريكية، صحيحة تمامًا، وهي أن الموقف من إسرائيل هو موقف "ثنائي الحزب (Bipartisan)، أي أنه يحظى بإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبناءً على ذلك، فإن الرهان على أن مجيء رئيس كترامب أو بايدن قد يغير من موقف الولايات المتحدة تجاه إسرائيل هو رهان فاشل، والسبب بسيط: زعماء الولايات المتحدة يدركون أن تحدي إسرائيل في ملفاتها الداخلية أو الخارجية يترتب عليه ثمن باهظ في السياسة الداخلية الأمريكية.

وأشار إلى أن ما غفل عنه العرب في هذا السياق هو أن الساحة السياسية الأمريكية، رغم انفتاحها على التأثير الخارجي عبر الوسائل القانونية مثل التبرعات وإنشاء جماعات الضغط، لم تشهد تحركًا عربيًا يعادل ما قامت به اللوبيات اليهودية مثل "إيباك" وغيرها، وهذه الجماعات تمكنت من توجيه السياسة الأمريكية لدعم إسرائيل، في حين أن الدول العربية، رغم امتلاكها موارد مالية ضخمة، لم تستثمر في هذا الاتجاه بشكل جدي.

إسرائيل وحروبها عبر الحكومات الأمريكية المتعاقبة

منذ النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967، مرورًا بحرب لبنان في عهد الرئيس الجمهوري ريغان، كانت الحكومات الأمريكية، سواء الديمقراطية أو الجمهورية، داعمة لإسرائيل. الحزب الديمقراطي قد يُظهر تصريحات أكثر عقلانية وقربًا من الفهم العربي مقارنة بخطاب الجمهوريين، الذي يميل عادة إلى الصراحة والحدة ويُنظر إليه من خلال عدسة اللوبي الإسرائيلي.

لكن مع ذلك، الإدارة الأمريكية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، تراعي مصالحها الاستراتيجية الكبرى في المنطقة، التي تشمل أيضًا ملفات مثل روسيا، إيران، والصين، إضافة إلى الطاقة والممرات المائية الدولية. ورغم ذلك، عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، فإن إسرائيل تمسك بزمام التأثير على السياسة الأمريكية من خلال تحكمها في المواقف الحزبية المتعلقة بمصيرها.

وشدد البراري على أن هناك إصرارً من قب إسرائيل لتقديم صراعها مع الفلسطينيين كقضية وجود، رغم أن هذا الشعار في كثير من الأحيان يُستخدم للتبرير ولتحقيق مكاسب سياسية. على سبيل المثال، في التسعينيات، شهد العالم حراكًا نحو السلام مع اتفاقيات مثل مدريد وأوسلو، بالإضافة إلى مسارات السلام مع الأردن وسوريا. ومع ذلك، كان الموقف الأمريكي من الاستيطان يتدرج من اعتباره "غير قانوني" إلى اعتباره "عائقًا أمام السلام"، إلى أن وصل إلى الاعتراف بالتغيرات الديموغرافية التي فرضتها إسرائيل على الأرض، كما ورد في رسالة الرئيس بوش عام 2004 إلى شارون.

القيادات العربية وأولويات متباينة في التعامل مع الولايات المتحدة

وذكر البراري أن المشكلة الكبرى مرتبطة بالموقف الأمريكي الذي لا يتحدى السياسات الإسرائيلية إلا بشكل لفظي، فعندما نقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس، توقع البعض كارثة دبلوماسية، لكن الأمور مرت دون أي تغييرات كبيرة. المشكلة الأخرى هي أن القيادات العربية تتعامل مع الولايات المتحدة بأولويات ومقاربات مختلفة، وأحيانًا متناقضة.

على سبيل المثال، يرى الأردن أن السياسات الإسرائيلية على نهر الأردن تشكل تهديدًا لأمنه الوطني، لذا ركزت خطاباته السياسية، مثل كلمة الملك عبد الله الثاني أمام الكونغرس في عام 2007، على ضرورة حل الدولتين. بالمقابل، ترى مصر أن الخطر الأكبر يتمثل في الإسلام السياسي، في حين ترى السعودية أن المشروع الإيراني يشكل التهديد الرئيسي لأمنها القومي.

هذا التباين في الأولويات جعل الدول العربية أحيانًا تتخذ مواقف متناقضة، حيث يمكن لبعض الدول أن ترى في هزيمة إيران مكسبًا استراتيجيًا يريحها لسنوات، بينما ترى دول أخرى أن إسرائيل ليست شريكًا يُعتمد عليه في أي صراع مستقبلي مع إيران أو غيرها.

واختتم البراري حديثه بالقول إن العالم العربي، رغم خلافاته الداخلية، ليس بحاجة إلى إسرائيل لتقاتل نيابة عنه، إذ تملك الدول العربية قدرات كافية للدفاع عن نفسها إذا ما تعرضت لأي عدوان، ولكن يبقى التحدي الأكبر في بناء رؤية موحدة وسياسات متناسقة عند التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، خاصة تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية والموقف من إسرائيل.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير