ما الذي يريده الأردن من سوريا الجديدة؟

{title}
أخبار الأردن -

 

قال أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور بدر الماضي، إنه في ظل التحولات الجذرية التي تشهدها دمشق عقب سقوط النظام السابق، ومع بروز إدارة جديدة أبدت مرونة مفاجئة أزعجت بعض القوى الإقليمية، يبرز الموقف الأردني كمحور استراتيجي قادر على تشكيل الأسس للمرحلة المقبلة. 

وأوضح الماضي في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن هذا الموقف، المدروس بعناية، يمتد تأثيره إلى الأبعاد السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، ويعكس رؤية متوازنة تضع المصالح الوطنية الأردنية في صدارة الأولويات دون إغفال البعد الإقليمي والدولي.

وبيّن الماضي أن المرحلة الحالية تستلزم موازنة دقيقة للمواقف الأردنية بما ينسجم مع التحولات المحيطة، فداخليًا، يبدو المزاج الشعبي الأردني ميّالًا لدعم فكرة سوريا جديدة، خالية من قبضة الاستبداد التي كبلت تطلعات السوريين لعقود طويلة، وهذه الرغبة الشعبية شكلت رافعة قوية لصناعة القرار الأردني، حيث اتجهت السياسة الرسمية نحو مواقف قد تتعارض، في جوهرها، مع توجهات بعض الحلفاء التقليديين في المنطقة، لكنّها تتناغم مع رؤية المملكة لتعزيز الاستقرار الإقليمي.

الملفات ذات الأولوية

وأشار إلى أن الحدود الشمالية للأردن لطالما شكّلت ساحة تحديات معقّدة نتيجة التهديدات الميليشية وحرب المخدرات، التي شهدت دعمًا مباشرًا من النظام السابق، ومع التغيرات الراهنة، يضع الأردن هذا الملف على رأس أجندته في الحوار مع الإدارة السورية الجديدة، بهدف التوصل إلى حلول عملية وملموسة تعيد ضبط الأمن وتكافح تجارة المخدرات بشكل جذري.

وذكر الماضي أن المرحلة المقبلة تمثل فرصة ذهبية لإعادة إحياء التعاون الاقتصادي بين البلدين، إذ يتمتع كل من الأردن وسوريا بإمكانات فريدة تؤهلهما لتأسيس شراكة اقتصادية متينة تمتد من التجارة والصناعة إلى النقل والخدمات، ويمكن لهذا التعاون أن يشكل نواة "هلال اقتصادي" يربط تركيا وسوريا بالأردن ودول الخليج، مستفيدًا من الموقع الجغرافي المميز لكلا البلدين كمحور رئيسي لتجارة الترانزيت والخطوط التجارية الدولية.

ونوّه إلى أن الأردن حمل عبء استضافة أكثر من نصف مليون لاجئ سوري منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، ورغم موارده المحدودة، استطاع أن يقدم نموذجًا أخلاقيًا وإنسانيًا في إدارة هذا الملف، وفي المرحلة القادمة، سيكون توفير بيئة آمنة لعودة اللاجئين أحد المطالب الأساسية للأردن، إذ يرتبط هذا الملف بتخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على المملكة، وبتحقيق الاستقرار المجتمعي داخل سوريا.

تجاهل الحقوق المائية الأردنية

وأكد الماضي أنه لطالما كانت المياه محورًا أساسيًا للتوتر مع النظام السابق، حيث تجاهل الحقوق المائية الأردنية رغم وضوح المعاهدات والقوانين الدولية، وفي ظل الأزمات المائية التي تعصف بالمنطقة، يُتوقع أن تُطرح هذه القضية بعمق خلال المباحثات المقبلة، مع التأكيد على أهمية التعاون العربي في هذا المجال، بما يحقق مصلحة الطرفين.

واستطرد الماضي قائلًا إن الاقتصاد السوري يحتاج إلى دفعة قوية لإعادة الحياة إلى قطاعاته المختلفة، وتبرز الطاقة كمحور حيوي في هذه الجهود، ذلك أن الأردن يمكنه أن يسهم في تزويد سوريا بالكهرباء من فائض إنتاجه، أو عبر تسهيل نقل الغاز من خلال خط الغاز العربي، ما يفتح أفقاً جديداً لإعادة الإعمار والتنمية الصناعية.

وتابع الماضي أن العلاقات الأردنية - السورية تتمتع بميزات جغرافية، واجتماعية، وسياسية تجعلها مختلفة عن معظم العلاقات الثنائية في المنطقة، وأنه في ظل الظروف الراهنة، يمكن أن تتطور هذه العلاقة إلى شراكة استراتيجية متقدمة تشمل التنسيق السياسي والدبلوماسي في القضايا الإقليمية والدولية، متوقعًا أن تشهد المرحلة المقبلة تعزيزًا للتعاون الاقتصادي، ما يفتح الباب أمام بناء كتلة اقتصادية قادرة على الاستجابة للتحديات الإقليمية وتعزيز الاستقرار.

ولفت الانتباه إلى أن الموقف الأردني يمثل نموذجًا ناضجًا وحذرًا لإدارة العلاقات مع سوريا في ظل التغيرات الراهنة، معتمدًا على رؤية تتسم بالواقعية والطموح، تهدف إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي وتعزيز المصالح المشتركة بين البلدين.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير