التسريبات الصوتية تقوّض طموح السوداني بولاية ثانية

{title}
أخبار الأردن -

 

سلام زيدان

يواجه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، تحديات جسيمة في ظل تسريبات صوتية طالت فريقه الحكومي، من مسؤولين تنفيذيين ومستشارين، تشير إلى تورطهم في تقاضي رشى بملايين الدولارات مقابل إرساء صفقات على بعض رجال الأعمال، الأمر الذي قد يعرقل مساعيه للفوز بولاية ثانية.

لم تكن التسريبات الصوتية، شيئا جديدا، في الحياة السياسية العراقية، إذ بدأ استخدامها بعد عام 2010، من اجل التنافس السياسي، ولكن ازدادت خلال الفترات الماضية، لضرب الخصوم، وتناولت عددا من القيادات السياسية، منهم: رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، وغيرهما.

وخلال الأيام الماضية، ظهرت تسريبات صوتية تظهر تورط مسؤولين بارزين في فريق السوداني، من بينهم رئيس "هيئة النزاهة" حيدر حنون، وكبير المستشارين في الدولة العراقية عبد الكريم الفيصل، ورئيس "هيئة الضرائب" علي وعد، وغيرهم، وقد تضمنت هذه التسجيلات مزاعم عن تلقي رشى وتلاعب بالإجراءات الإدارية، ما دفع السلطة القضائية إلى توقيف عدد منهم.

ولمنع التسريبات الصوتية، بادرت معظم القيادات السياسية إلى سحب الهواتف قبل الاجتماعات مع المسؤولين أو المواطنين، تحسبا لتسجيل أي أحاديث تتعلق بالأوضاع العامة قد تتسبب في أزمات سياسية أو داخلية. وفي الوقت نفسه، شكلت بعض الأطراف فريقا تقنيا للتصدي للحملات الانتخابية المقبلة، خشية الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.

وتُنسَب معظم التسريبات الأخيرة إلى خلية يديرها محمد جوحي، أحد مسؤولي مكتب السوداني، وقد أدانه القضاء العراقي بتهمة التجسس على مسؤولين بارزين، منهم رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، ورئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وآخرون.

وقال النائب مصطفى سند، الذي تقدم بشكوى ضد السوداني بتهمة التجسس على هاتفه، إن شركتي الاتصالات العاملتين في العراق قد أثبتتا أمام القضاء وجود عمليات تنصت وتجسس استهدفت بعض الشخصيات السياسية خلال عامي 2023 و2024.

وأعرب سند عن استغرابه من إنكار السوداني لقضية التنصت، رغم صدور حكم قضائي بالسجن أربع سنوات ضد جوحي. وقد رفض السوداني مزاعم التنصت والتجسس، واصفا إياها بأنها "غير أخلاقية" ولا تستند إلى أي أدلة، معتبرا إياها "كذبة القرن".

فجوة كبيرة

أسفرت التسريبات الصوتية عن اتساع الهوة بين قوى "الإطار التنسيقي" والسوداني، وأفضت إلى توافقٍ غير معلن على عدم التجديد له لولايته الثانية، بعدما خسر أبرز داعميه، مثل "عصائب أهل الحق" و"منظمة بدر". وفي هذه الأثناء، يدور نقاشٌ سياسي حول تغيير الحكومة الحالية قبل ستة أشهر من موعد الانتخابات المقبلة، وتأليف حكومةٍ جديدةٍ تشرف على العملية الانتخابية عبر تعديل قانون الانتخابات النيابية.

تتصدى إيران بقوة لرغبة قوى "الإطار التنسيقي" في تغيير الحكومة، بعد اهتزاز ما يُعرف بـ"الهلال الشيعي" إثر خروج سوريا من دائرة نفوذها. وفي المقابل، تحاول الولايات المتحدة تقليص النفوذ الإيراني في العراق، مستثمرة تحركاتها العسكرية وقواعدها داخل البلاد، فضلا عن تنامي الغضب الشعبي تجاه إيران.

وفي هذا السياق، أفاد مصدر سياسي مطلع لـ"المجلة" بأن السوداني يواجه خلافات حادة داخل قوى "الإطار التنسيقي"، أبرزها مع نوري المالكي، وأن ملف التنصت والتسريبات الصوتية دفع بعض أطراف الإطار إلى التفكير في إقالته من منصبه، غير أن تدخل قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني، إسماعيل قآني، الذي زار بغداد أوقف هذه المساعي، لأن الظروف الإقليمية الراهنة لا تحتمل أي تغيير حكومي في العراق.

وأضاف المصدر أن قآني شدد على أن "محور المقاومة" يواجه تحديا وجوديا في لبنان وانكسارا في سوريا، ما يستدعي تحييد العراق عن أي اضطرابات سياسية قد تضعف القوى المقربة من إيران.

وفي الوقت نفسه، أشار المصدر إلى خلاف بين السوداني ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، إذ استخدم رئيس الوزراء ورقة رئيس "هيئة النزاهة" السابق، حيدر حنون، الذي هاجم القضاء العراقي واتهمه بعرقلة جهود مكافحة الفساد.

وتُظهر أزمة التنصت والتجسس والتسريبات الصوتية هشاشة المنظومة الأمنية والاستخباراتية في الدولة العراقية، إذ لا تزال جهات سياسية عدة قادرة على الوصول إلى معلومات حساسة، كان من المفترض أن تبقى حصرية لدى الأجهزة الاستخبارية الحكومية.

وأكد المحلل السياسي، مجاشع التميمي، أن غالبية التسريبات الصوتية صحيحة، وأنها تعود إلى هاتف محمد جوحي، المسؤول في مكتب السوداني، الذي أُلقي القبض عليه وصودرت أجهزته. غير أن التميمي أشار إلى أن بعض التسجيلات خضعت للتلاعب والتضليل من قبل قوى سياسية معارضة، بهدف التأثير في موقع رئيس الوزراء وسمعته.

وأضاف التميمي لـ"المجلة" أن هذه التسريبات كشفت عن حجم الفساد المستشري في العراق، لا سيما على مستوى القيادة العليا للدولة، ورغم أن قضية إقصاء السوداني طُرحت سابقا في أروقة القوى السياسية الشيعية، فإن التطورات الإقليمية حاليا أرغمتهم على تأجيل أي تحرك ضده، بما في ذلك إجراء انتخابات مبكرة اتُفق- بشكل غير معلن- على عقدها في يونيو/حزيران 2025، مما أتاح للسوداني فرصة إضافية للبقاء في منصبه.

ولا يزال تأثير هذه التسريبات على الشارع العراقي محدودا، لا سيما مع بدء السوداني بالتحرر نسبيا من عباءة "الإطار التنسيقي". ومع ذلك، يظل تشكيل الحكومات في العراق من خلال ائتلاف عدد من الأحزاب، نظرا لعدم قدرة أي حزبٍ منفردٍ على الفوز بنصف مقاعد البرلمان، وفي ظل هذا الواقع السياسي المتشابك، قد يغدو الصراع السياسي عاملا حاسما في إقصاء السوداني عن ولايةٍ ثانية.


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير