تحديات في طريق نجاح سوريا الجديدة

{title}
أخبار الأردن -

 

د. رامي عياصرة

بعد نجاح فصائل الثورة السورية بالإطاحة بالنظام المخلوع تواجه سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع جملة من الصعوبات و التحديات التي تقف كحجر عثرة في طريق النجاح، والعبور بسلام في المرحلة الانتقالية وبناء الدولة القوية .
ثمة جملة من التحديات الداخلية والخارجية التي تتفاعل معا ضمن مشهد شديد التداخل والتعقيد.

تأتي على رأس التحديات ذات الأولوية ترسيخ حالة الأمن والاستقرار الداخلي، خاصة مع العمل على إطلاق حملات تطهير لعناصر النظام المخلوع وملاحقتها ممن تلطخت أيديهم بدم الشعب السوري،  والذين رفضوا تسليم أسلحتهم وتصويب أوضاعهم، الأمر الذي استدعى حملات قوية في مطارتهم ،والاشتباك معهم خاصة في مناطق اللاذقية والساحل السوري.
بالتوازي مع ذلك المطالبة بتحقيق العدالة الانتقالية. والعمل على محاكمة رموز النظام المخلوع سواء من بقي منهم داخل سوريا أم من فرّ منهم إلى خارجها، والمطالبة بتسليمهم، وضمان محاكمتهم المحاكمة العادلة.

التحدي الأكبر داخلياً يتمثل بالقدرة على إقناع جميع فصائل الثورة المسلحة بالانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع الجديدة، وحل نفسها، والعمل على تشكيل جيش سوري وطني موحد، ينحصر بيده حمل السلاح دون غيره. وهذا التحدي كبير، إذ ليس من السهل إنجازة بسرعة، نظراً لتعدد مصادر الدعم لكل فصيل خلال مرحلة الثورة ضد النظام المخلوع، وربما توجد حالة تباين في النظرة لطريقة ترتيب الأمور خلال الفترة الانتقالية.

من أبرز التحديات اليوم النجاح في جمع المكونات السورية الطائفية والمذهبية والسياسية جميعها دون استثناء، مع اتفاق على شكل نظام سياسي تعددي و توافق على المرحلة الانتقالية، وعلى رأسها تشكيل لجنة صياغة الدستور، و الاتفاق على إطار زمني للمرحلة الانتقالية كاملة، خاصة عند الدخول في التفاصيل.

الأمر الآخر المهم يتمثل في التعامل 
 مع المكون الكردي في إطار وحدة الأراضي السورية، في ظل الإشكالية الكردية مع تركيا التي باتت الأقرب الى النظام السوري الجديد، وبذات الوقت هناك التواجد الأمريكي الذي يحمي الوجود الكردي. وهنا يتداخل الوضع السوري الداخلي مع إدارة العلاقات الخارجية مع القوى الإقليمية والدولية.
هل سيتمكن أحمد الشرع من اجتراح معادلة متوازنة تجمع بين المصالح التركية والحماية الأمريكية ولا تؤثر سلباً على وحدة سوريا؟ هذه المعادلة بالضرورة تحتاج الى طرح سياسي مناسب ومتوازن للوضع الكردي دون التورط في جبهة قتال ترغبه - وربما في لحظة ما تطلبه -  تركيا كحليف لسوريا الجديدة .

العلاقة مع إيران بأوج توترها واسوأ أحوالها، فقد أرسل احمد الشرع برسائل طمأنة لجميع الأطراف الإقليمية والدولية باستثناء إيران التي تناولها بالهجوم بسبب ممارساتها الطائفية ضد الشعب السوري، ودعمها المطلق لإجرام النظام المخلوع ومشاركتها به.
لكن السؤال : هل تسلّم إيران بحقيقة إخراجها من سوريا أم أنها ستنفذ تهديداتها على لسان خامنئي وقادة الحرس الثوري الإيراني بأنها ستسعى خلال المرحلة القادمة للعودة بقوة الى سوريا بطريقة أو بأخرى ؟
هذا سؤال مهم، ستجيب عليه تطورات الأحداث في قادم الأيام.
بكل الأحوال فإنه وبسقوط نظام الأسد تكون إيران قد تلقت ضربة موجعة أدت الى إخراجها من سوريا بطريقة خاطفة و مفاجئة وغير متوقعة، تزامنت مع تلقي حزب الله - الذراع الأقوى لها في المنطقة- لضربة أضعفته بشكل كبير بعد مواجهته الأخيرة مع الجيش الاسرائيلي في حرب الإسناد للمقاومة الفلسطينية في غزة.
واذا ما أضفنا ترقب إيران لمقدم ترامب في رئاسته الثانية. فإنها ستكون في حالة ضغط مضاعف وكبير لم يسبق وأن مرت به، وهي باتت تخشى على نفسها بشكل حقيقي.

بالنسبة للوجود الروسي فان بوتين أعلن أن ما جرى في سوريا لا يعدّ هزيمة لروسيا ، باعتبار أنها تعمل على إعادة نسج علاقات جديدة مع القيادة السورية تحفظ مصالح روسيا و وجودها الاستراتيجي على المياه الدافئة على شواطئ المتوسط، وكان أحمد الشرع أعلن في تصريحات أنه يمكن مراجعة الوجود الروسي على قاعدة المصالح المشتركة والاستراتيجية قائمة على النديّة و دون تبعية.

الموقف من الكيان الصهيوني يتسم بالرخاوة، وإن كان من نصيحة فانه يتوجب القول أن يكون موقف الإدارة السورية الجديدة أكثر وضوحاً وحزماً، وذلك كموقف سياسي، مع قناعتنا بأن سوريا الجديدة ليس مطلوباً منها اليوم الدخول في معركة مع الكيان الصهيوني. و يتوجب على القيادة السورية الجديدة التنبه أن أحد أهم شرعياتها أمام شعبها والشعوب العربية والاسلامية هو الموقف المبدأي والاخلاقي تجاه القضية الفلسطينية، من خلال رفض الممارسات الصهيونية تجاه التوسع في الأراضي السورية نفسها، وكذلك ممارساتها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني.

في سياق الحدث تفاوتت مواقف الدول العربية في تعاطيها مع سوريا الجديدة وقيادة أحمد الشرع، قطر كانت السباقة في دعم القيادة الجديدة بالتوازي مع الحليف التركي.
السعودية خطت خطوات كبيرة في دعم القيادة الجديدة وخرجت من حالة الترقب أو التردد.
مصر والامارات كانت ولازالت الأكثر توجسا مما جرى، لاعتبار العداء المبدأي للاسلام السياسي الذي باتت تنتمي له القيادة الجديدة.
العراق الجار القريب من سوريا، أوفد على المستوى الأمني لدمشق للدلالة على طبيعة التخوفات التي تسكن العلاقة بين الطرفين، خاصة مع وجود النفوذ الإيراني في العراق.

الأردن الأقرب الى سوريا والأكثر تأثراً بالازمة السورية قبل نجاح الثورة والاطاحة بالنظام المخلوع  خرج الأردن من حالة التردد سريعا وقام وزير الخارجية أيمن الصفدي بأول زيارة لوزير خارجية عربي الى دمشق ، وعرض على القيادة الجديدة ما يمكن للأردن أن يقدمه من خبرات وخدمات تساعد سوريا على التعافي، وهو موقف متقدم ويحتاج الى تعزيز خاصة من جهة تفعيل السفارة الأردنية في دمشق، و وجود سفير وسفارة نشطة قادرة على تعزيز العلاقات وإحراز تقدماً ملموساً في تطوير العلاقة وتأمين المصالح المشتركة.

بالمجمل هناك وضع غاية في التعقيد، ومخاطر جمة، واستقرار نسبي ولكنه هش وضعيف، ومرحلة انتقالية لا تحتمل الاستئثار أو الخطأ، وتحتاج الى توازن دقيق في ادارة العلاقات بين مختلف الأطراف الطامعة والطامحة  في تواجدها القوي في سوريا، ولكن وبموضوعية لا يتوقع تحقيق السيادة الكاملة على الأرض السورية من قبل الإدارة الجديدة في المدى القريب نظراً لتواجد القوى الإقليمية والدولية التي ورثها النظام الجديد عن النظام المخلوع، ونظراً لعدم وجود دولة مركزية قوية وقادرة على حماية سيادتها لأنها بطبيعة الحال لازالت ناشئة وتتلمس طريقها نحو المستقبل.

نتمنى أن تتخطى الدولة السورية الجديدة كل هذه المخاطر، وأن تسلم من الانتكاسات، وأن تحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق، فقوة سوريا هي قوة لنا، وللعالم العربي بكليته.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير