الفيسبوك في الميزان

{title}
أخبار الأردن -

 

وليد عبد الحي

منذ نشوء فكرة الفيسبوك عام 2004 على يد مجموعة من خبراء وطلاب جامعة هارفارد ، ثم تحوله الى فضاء عالمي منذ عام 2005، بدأ تأثيره يتزايد ، واصبح موضع نقد وتمجيد على حد سواء، وككل ظاهرة اجتماعية ، بقي الفيسبوك جدليا ، فمن المتعذر النظر له كخير مطلق او شر مطلق، فهو يجمع بين الجانبين ولكن تتفاوت نسبة كل جانب في التقدير من شخص لآخر.

أود تناول موضوع محدد في هذه الظاهرة وهو ما أزعمه بان الفيسبوك سيساهم في "عادة الحوار " بين الجميع، وهو أمر اظنه ايجابيا للمجتمع العربي، فمثلما فتحت آلة جوتنبرغ المجال لانتشار المعرفة وتعميمها، فإن آلة "زوكربرغ" تفتح الباب مشرعا امام تبادل الآراء، ومن الطبيعي في تبادل الآراء ان يكون هناك الاختلاف والاتفاق ، وان يكون هناك الحوار المتسم باللياقة أو بالنزق الفطري او المرضي، او الحوار القائم على المعرفة او ادعاء المعرفة، او الحوار الحقيقي او المفتعل، والجاد او الساخر...الخ. لكن كل ذلك سيتحول مع مرور الزمن الى ظاهرة"التعود"، اي سيصبح نقد ما تقوله او تكتبه بشكل متواصل أمرا معتادا سيهذب نزقك تدريجيا ويجعلك اكثر قابلية –ولو بمعاناة- لاعتبار ذلك طبيعيا.

ولا انكر ان الفيسبوك قد يؤجج التنازع والصراعات بين الافراد او الجماعات او الثقافات الفرعية المختلفة ، فهناك طوفان من الدفق السياسي والتجاري والاجتماعي والاقتصادي ، وهناك الخبر والإشاعة ، وهناك المتسللون(الهاكرز) من جهات رسمية او شعبية او من متطفلين ...الخ.

من الواجب ان تتقبل حق الرأي الآخر في ان يجد مساحة على صفحتك، فإذا اعتدت على ذلك واعتاد الآخرون عليه، سنؤسس لمساهمة في تعميق ثقافة الحوار في مجتمعنا، وأرى ان من الانسب ان لا ترد على التعليقات التي تخالفك الرأي ،وتقتصر الردود على الاستجابة لبعض الاستفسارات او بعض الاخطاء المطبعية او بعض الارقام...الخ.

ومنذ عام 2013 وأنا اكتب على صفحتي في الفيسبوك، وأؤكد اني لم أحذف اي تعليق او صديق او متابع، لكن الهاكرز "لاسباب لا ادعي معرفة حقيقتها" يهاجمون صفحتي ويحذفون اسماء او تعليقات لاصدقاء حميميين لي، بل ولبعض الاقارب، او يعرضون صورا غير لائقة، ولكني تدربت على اقناع نفسي بان الفيسبوك انعكاس للمجتمع، ومن الطبيعي ان نستمع فيه للمدح والقدح ، وكما قال المتنبي" وأي الناس تصفو مشاربه"؟

اعتقد أن الفيسبوك سيساهم في تهذيب "الأنا المتضخمة" من ناحية ، وسيعمق المونولوج(الحوار الذاتي) كما يعمق الدايلوج(حوار الآخر) من ناحية ثانية، لكني ارى ان ذلك لن يتم بسرعة وبيسر، ولكنه سيتطور تدريجيا دون نفي انه قد يحمل في أذياله بعض الاوزار، فكل ظاهرة اجتماعية او تقنية هي ظاهرة جدلية، ويبقى الحكم على حصيلتها العامة لا حصيلتها الجزئية،وعلى كيف نوظف الظاهرة.

ويرتبط بالفيسبوك ما يسمى "المُراسل او الساعي" (Messenger) حيث يبث لك الآخرون اوجاعهم او نقدهم او يمدحونك او يشبعونك لعنا وتقريعا، او يقولون لك على الخاص مالا يتجرؤون على قوله علنا..

كذلك ان ردود القراء على بعضهم في التعليق على ما تكتبه يساهم في اثراء الحوار ، ومع ان الكثير من النقد لا يضيف شيئا ،وبعضه يثير موضوعات لا علاقة لها نهائيا بموضوع المقال، وبعضه لا يستطيع التمييز بين الدراسة والمقال او بين الفكرة العامة وبين الفكرة الخاصة ، وبعضهم ينتقدك بانك تكتب عن اشياء وتتجنب اشياء اخرى،فمثلا كتب لي احدهم في تعليقه "انت مرتزق، تكتب عن كل القضايا ولا تتجرأ ان تكتب سطرا عن السياسة الاردنية"، ولم ارد عليه، لكن قارئا آخر رد عليه ووضع له 37 رابطا في كل منها مقال او دراسة اكاديمية لي عن السياسة الاردنية وبعضها باللغة الانجليزية، فوصلني من الاول على الخاص الرسالة التالية" بارك الله فيك ،ارجو قبول اعتذاري"...

لكني اشعر ان تكرار هذه الانتقادات سواء كانت محقة ام لا ، ستصبح امرا اعتياديا ، وهو ما يساهم في "التعود" على سماع النقد، وهي خطوة اراها هامة لتعميق فكرة الحوار وتقبل النقد ولو من باب التعود الذي اعتقد انه سيصبح ولو بعد زمن أمرا طبيعيا بعد ان كان مستهجنا.

ان اطلاعنا على ما يجري في العالم ، وعلى ما يكتبه الآخرون على صفحات الفيسبوك غير العربية سيحفز المقارنة عندنا بين مجتمعاتنا ومجتمعاتهم، وبين طرق حوارهم وطرق حوارنا..وهو امر سيعمق الفكرة عندنا.

ولكن الفيسبوك فيه كذا وكذا من العيوب..نعم ذلك صحيح، ولكن فيه الكثير من المزايا ، فلماذا لا نحاول ان نأخذ منه ما يفيد..وهذا هو الاختبار لقدرتنا على الاختيار...فهل نتمكن؟ .ربما.

 


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير