الأردن وإمكانية تفويت فرصة إدارة الملف السوري
قال وزير الصناعة والتجارة والتموين الأسبق طارق الحموري إن الولايات المتحدة لن تفوت فرصة متابعة التطورات في الملف السوري، وروسيا بدورها تراقب عن كثب، فيما بدأت الدول الخليجية، وخاصة قطر، خطوات عملية في تعزيز حضورها بسوريا، ما يشير إلى تحرك إقليمي نحو إعادة بناء العلاقات والتأثير في مستقبل هذا البلد.
وأوضح لدى حديثه لقناة المملكة، رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه يتحتم على الأردن أن يتحرك بخطوات متوازنة، حيث ينبغي أن يسير العمل السياسي جنبًا إلى جنب مع الاستعداد الاقتصادي، الأمني، والاجتماعي، مع ضمان الجاهزية الكاملة للملفات والمبادرات.
وبيّن الحموري أن الأردن يمتلك العديد من المقومات التي تجعله الأجدر بلعب دور رئيسي في هذا الملف، أولًا، هناك الحدود المشتركة الطويلة التي تربطه بسوريا، والتي تمثل شريانًا استراتيجيًا للتعاون والتواصل، وثانيًا، الأردن أكثر تأثرًا من أي دولة أخرى بتداعيات الأزمة السورية، بدءًا من أزمة اللاجئين التي حملنا عبئها الأكبر، إلى التداعيات الأمنية والاقتصادية التي أثرت بشكل مباشر على استقرارنا، وثالثًا، التقارب الثقافي والاجتماعي بين الشعبين الأردني والسوري يعزز من فرص بناء علاقات متينة وشراكات مستدامة.
وذكر أن الأزمة السورية كانت اختبارًا لقدرة الأردن على التماسك والتعامل مع التحديات، وقد تحملنا مسؤوليات ضخمة وقدمنا الدعم لشعب شقيق في أشد الأوقات صعوبة، مدفوعين ليس فقط بالاعتبارات الإنسانية، بل أيضًا بواجبنا الوطني والأخلاقي، وهذا الإرث يجعل الأردن اليوم أكثر قدرة على فهم الواقع السوري والعمل بفعالية لإعادة بناء المؤسسات التي تعرضت للدمار.
على الصعيد الاقتصادي، ذكر الحموري أن الأردن لا يزال في مرحلة المراقبة الدقيقة، وزيارة الصفدي الأخيرة إلى دمشق كانت خطوة إيجابية حملت رسائل دعم واستعداد، لكنها أيضًا جاءت للتأكيد على ضرورة إتاحة الفرصة أمام سوريا لاستعادة توازنها السياسي والأمني، وفي هذا الإطار، يتحتم علينا أن نكون جاهزين، ليس فقط لإعادة فتح قنوات التعاون الاقتصادي، بل لتقديم الدعم الذي يعزز من صمود المؤسسات السورية وقدرتها على النهوض.
وعلى مدار العقود الماضية، كان الأردن حريصًا على تعزيز دوره في محيطه العربي، متبنيًا سياسات تهدف إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي، ومنذ بداية الأزمة السورية، أظهر الأردن التزامًا بالعمل العربي المشترك من خلال مبادرات واضحة تهدف إلى تخفيف معاناة الشعب السوري وإيجاد حلول تضمن مستقبلًا أفضل للجميع.
وأشار الحموري إلى أن اجتماع العقبة يمثل محطة فارقة في مسار الأردن الاستراتيجي الذي دأب على اتباعه لعدة عقود، حيث حرص دائمًا على أن يكون جزءًا فاعلًا في إطار العمل العربي المشترك، وهذه المبادرة تؤكد التزام المملكة الأردنية العميق بتنسيق الجهود مع الأشقاء العرب، وهي تمثل تجسيدًا لحرصها على أن تكون في طليعة الساعين لإعادة تأهيل سوريا، وقد أتت زيارة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إلى سوريا لتكون خطوة مهمة في هذا المسار، حيث كان من المقرر أن تقتصر الزيارة على وزراء الخارجية العرب، ولكن لظروف معينة، كان من نصيب الصفدي أن يتوجه بمفرده، وهو ما يحمل رسالة بالغة الدلالة على جديّة هذه الخطوة وأهميتها الاستراتيجية.
عند تقييم المشهد السوري الراهن، نوّه الحموري إلى أن الهدوء النسبي الذي تشهده المنطقة في الوقت الحالي يبعث على التفاؤل، خاصة في القطاع الزراعي الذي تأثر بشكل بالغ جراء الأزمة، فقد كانت سوريا قبل عام 2011 سوقًا حيوية لتصدير المنتجات الزراعية الأردنية، حيث بلغ إجمالي الصادرات عبر الأراضي السورية نحو 218,000 طن، أي ما يعادل أكثر من 30% من الصادرات الزراعية الأردنية، ولكن مع تفاقم الأزمة السورية، انهارت هذه الأرقام إلى حد كبير، حيث بلغت الصادرات في سنوات 2016 و2017 صفرًا، ومع بداية التحسن الذي طرأ على الوضع في سوريا، بدأت الصادرات الأردنية تظهر علامات انتعاش ضئيلة، وهي مؤشرات إيجابية يحتاج القطاع الزراعي إلى البناء عليها في المرحلة المقبلة.
ومع تحسن الوضع الأمني في سوريا، بدأ الأردن يعيد تقييم الاستراتيجيات والعقود التجارية المبرمة سابقًا، ليتواكب مع الواقع الجديد. وبفضل إعادة تقييم هذه العقود، أصبح بالإمكان تحقيق خفض ملحوظ في التكاليف، ما يتيح للمنتجات الأردنية الوصول إلى الأسواق الأوروبية، ولا سيما أوروبا الشرقية، بمواصفات عالية وجودة لا مثيل لها.