رسائل الجولاني بين طموح السلطة وفلسفة الاطمئنان
قال خبير الشأن الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة إن الحديث عن مستقبل سوريا يكشف عن مشهد معقد، حيث تبدو جميع السيناريوهات مطروحة، دون وجود مسار واضح يمكن اعتباره الحاسم أو النهائي.
وأوضح السبايلة في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن التمعن في طبيعة الرسائل التي يبعث بها أبو محمد الجولاني، يخبرنا بالدلالات الاستراتيجية التي تحملها، إذ تتناغم بشكل ملحوظ مع المحيط الجغرافي العربي، وتسعى في ظاهرها إلى تهدئة الأجواء الإقليمية، متجاوزة بذلك البُعد الإقليمي، وتتشكل على هيئة خطاب موجّه نحو المجتمع الدولي، يحمل طابع الطمأنينة ويبدو مُصمّمًا لإزالة مخاوف الأطراف الخارجية بشأن دوره وموقعه في سوريا المستقبلية.
وبيّن السبايلة أن هذا التوجه يأتي في سياق يتسم بالتعقيد؛ حيث تشهد الساحة الدولية تسارعًا ملحوظًا في التعامل معه، بما في ذلك تزايد الحديث عن رفع العقوبات الدولية، وهو ما يُعدّ، في نظر البعض، خطوة تُمهد لتهيئة الظروف لتحقيق أهدافه أو على الأقل تثبيت حضوره كعنصر أساسي في المعادلة السورية، ومع ذلك، فإن هذا التسارع لا يمكن عزله عن واقع أن الجولاني يُعتبر اليوم جزءًا فعّالًا من المعادلة السياسية، والعسكرية القائمة في سوريا، كما أنه يفرض نفسه كلاعب رئيسي ضمن إطار التوازنات القائمة على الأرض.
وأكد أن الوصول إلى السلطة يظلّ تحديًا معقدًا للغاية، فلا يمكن اختزال هذا الطريق في الرسائل الموجّهة أو التحركات الدبلوماسية، بل إنه يتطلب تجاوز العديد من العقبات التي لا تزال قائمة، وأولى هذه العقبات هي غياب رؤية واضحة ومقبولة لتوحيد سوريا، وهي عملية تستلزم صياغة تسوية شاملة ترضي الأطراف المتعددة والمتباينة، إذ إن تحقيق هذا الهدف يتطلب توافقًا يخرج عن إطار الداخل السوري، ويصل إلى القوى الإقليمية والدولية ذات المصالح المتشابكة في الأزمة السورية.
وأشار السبايلة إلى أن هناك تحديات أمنية وعسكرية التي لا يمكن التغاضي عنها، فالتيارات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم "داعش"، لا تزال تشكل تهديدًا وجوديًا للاستقرار، فيما يبقى مستقبل الأكراد ومسألة الحكم الذاتي في المناطق التي يسيطرون عليها إحدى القضايا الأكثر إلحاحًا وتعقيدًا.
من ناحية أخرى، يمكن النظر إلى الرسائل التي يوجهها الجولاني إلى المجتمع الدولي على أنها رسائل ذات طابع مطمئن، ليس فقط من حيث المضمون، ولكن أيضًا من حيث توقيتها وسياقها، وهذه الرسائل قد تكون السبب الرئيسي وراء حالة الانفتاح السريع التي شهدناها مؤخرًا من بعض الأطراف الدولية تجاهه.