اللغة العربية... ما يمكن إنقاذه

{title}
أخبار الأردن -

 

قالت أستاذة اللغويات الدكتورة جمانة السالم إن اللغة العربية تواجه تحديًا وجوديًا يهدد مكانتها كلغة حضارة وهوية، فبين ازدحام اللهجات العامية وهيمنة الإنجليزية في المجالات العلمية والتقنية، تقف الفصحى غريبة في أوطانها، مُحاصَرةً بسوء استخدامها وتراجع دورها في الحياة اليومية.

وأوضحت في تصريح خاص لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الأزمة انعكاس مباشر لأزمة انتماء وثقافة، تتجلى في الأخطاء المتكررة على منصات التواصل الاجتماعي، وفي النفور الواضح من استخدام الفصحى نطقًا وكتابة.

وأكدت السالم الحاجة الملحّة إلى نهضة لغوية شاملة تعيد للعربية ألقها، وتثبتها لغةً موحّدةً وقادرةً على مواكبة العصر، حاملةً رسالة التاريخ، وحاميةً لروح الهوية.

واستطردت قائلة إن أهلها انصرفوا عنها إلى العاميّة في حديثهم، وإلى الإنجليزية في علومهم وأعمالهم، يراوحون بين لغتين بلا انتماء حقيقي لأيٍّ منهما، وكأنهم فقدوا البوصلة التي تربطهم بجذورهم، مشيرة إلى أن هذه الازدواجية اللغوية ما هي إلا عرضٌ لمرضٍ أعمق: مرض تهميش الفصحى حتى أصبحت هوّةٌ واسعة تفصلها عن حياة الناس اليومية، لغة تُقرأ في الكتب والصحف، وتُذاع في نشرات الأخبار وقاعات المحاضرات، لكنها نادرًا ما تجد سبيلها إلى الأحاديث العفوية أو التعبير اليومي.

ونوهت إلى أننا اليوم في أمسِّ الحاجة إلى نهضةٍ شاملة تعيد للغتنا ألقها، نهضةٍ تبدأ من وعي الفرد بأهمية اللغة في تشكيل كيانه، وتمر عبر المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية، إذ يجب أن تكون اللغة العربية رمزًا جامعًا يعكس وحدتنا في تنوعنا، ويمدّنا بالقوة في وجه التحديات الحضارية.

بدوره، قال المتخصص في اللغة العربية مجد الدين جراد إن اللغة العربية تواجه أزمة وجودية غير مسبوقة تتجلى في التهميش الواضح من قبل أبناء الجيل الجديد، الذين باتوا عاجزين في كثير من الأحيان عن التعبير عن أنفسهم باللغة الفصحى، في وقت تطال هذه الأزمة جوهر الهوية الثقافية والقومية، وتحمل في طياتها أبعادًا حضارية ونفسية عميقة تهدد باندثار الارتباط الوثيق بين الفرد وذاته التاريخية.

وأضاف أن العوامل التي قادت إلى هذه الأزمة متعددة ومتداخلة، أولها الانجراف غير المدروس نحو اللغات الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، التي أصبحت معيارًا للحداثة والوجاهة الاجتماعية، مشيرًا إلى أن المؤسسات التعليمية والاقتصادية باتت تروج لفكرة أن النجاح رهين إتقان اللغات الأجنبية، بينما تُركت العربية لتقبع في زاوية الماضي، وكأنها لغة غير صالحة للعصر الحديث.

وتابع جراد أن التعليم هو نقطة الضعف الأخرى في هذا المشهد المتداعي، فالمناهج القائمة تسجن اللغة العربية في قوالب جامدة تعتمد على الحفظ الآلي والنمطية العقيمة، ما أفقدها روحها الجمالية وحيويتها الإبداعية، واللغة، التي كانت يومًا أداة للتفكير الحر والابتكار، أصبحت عبئًا على الطالب، تُقدَّم له بأسلوب يعزلها عن سياقها الحياتي والثقافي.

وأشار إلى أن وسائل الإعلام، بما فيها الرقمية والتقليدية، لم تكن أقل إسهامًا في هذه الأزمة، والمحتوى العربي الحديث يعج بالعاميات أو المزيج الهجين من العربية واللغات الأجنبية، وهو ما أدى إلى تقديم الفصحى كأنها لغة متحجرة غير قابلة للانخراط في الحياة اليومية، وهذا الانفصال عزز من شعور الشباب بأن الفصحى تنتمي لعوالم الماضي، بينما تنتمي لغات أخرى لعالم المستقبل.

وحذر جراد من أن النتائج المترتبة على هذا التهميش تتسم بالخطورة، وأولى هذه النتائج هي الانفصام الحضاري الذي يعاني منه الجيل الجديد، حيث يفقد الفرد ارتباطه بجذوره التاريخية والثقافية، ويعيش حالة من الاغتراب عن ذاته وهويته، واللغة هي مرآة الفكر، ومع تراجع إتقان الفصحى، يصبح الجيل عاجزًا عن قراءة نصوص التراث أو فهمها، الأمر الذي يؤدي إلى قطع حبل الوصل مع الماضي بكل ما يحمله من قيم ومعرفة وحكمة.
أما على المستوى الفكري، يتجلى تأثير هذه الأزمة في تراجع القدرة على التفكير النقدي والتحليل العميق، ذلك أن اللغة بنية ذهنية تؤطر طريقة التفكير، ومع ضعف الفصحى، يفقد الشباب وسيلتهم الأكثر دقة للتفكير في الأفكار المجردة وصياغة المفاهيم المعقدة.

ونوه جراد إلى أن إحياء اللغة العربية يتطلب مقاربة شمولية وجادة تعيدها إلى مركز الحياة الثقافية والاجتماعية، مضيفًا أن الإصلاح التعليمي هو المدخل الأهم لتحقيق ذلك، حيث يجب أن تُقدَّم اللغة في إطار جديد يعكس قدرتها على التعبير عن قضايا العصر بمرونة وجمال، كما يجب أن تركز المناهج على تعزيز المهارات اللغوية من خلال التفكير النقدي والإبداع، لا الحفظ الجامد الذي يقتل روح التعلم.

ودعا وسائل الإعلام بإعادة الاعتبار للفصحى من خلال إنتاج محتوى جذاب ومتنوع يلبي احتياجات الشباب، ويقدم اللغة في سياق عصري يجعلها أكثر قربًا من حياتهم اليومية، كما أن الاستثمار في الأدب الرقمي العربي، وصناعة السينما والمسرح التي تعتمد الفصحى، يمكن أن يسهم في إعادة تأهيل صورتها المهترئة.

ولفت جراد الانتباه إلى أن دور الأسرة لا يمكن إغفاله في هذا السياق، فهي الحاضنة الأولى للغة، وعلى الأهل أن يشجعوا أبناءهم على استخدام الفصحى بشكل يومي، سواء من خلال القراءة أو النقاشات التي تعزز المهارات اللغوية والتعبيرية.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير