هل سيندفع الأردن نحو دمشق؟

{title}
أخبار الأردن -


ماهر أبو طير

لا يريد الأردن استعداء النظام الوريث في دمشق لكنه لن يندفع نحوه بسرعة أيضا، وهو أعلن رسميا أن مصير السوريين متروك للسوريين ذاتهم، وفي الوقت ذاته هناك محددات متوقعة.


علينا أن نعود إلى وثيقة العقبة، أو بيانها حول الملف السوري، والتي توافق عليها وزراء خارجية عرب وأجانب، بشأن سورية، حيث حضر العرب وغاب السوريون ذاتهم بلا أي ممثل عن النظام الوريث، وكان التركيز على القرار 2254 الذي يقوم على إطلاق عملية سياسية، وإجراء انتخابات، إضافة إلى ما ورد في الوثيقة من مكافحة الإرهاب وتفاصيل ثانية.

ذات القرار 2254 تأسس أصلا على وجود ثنائية النظام والمعارضة، في زمن الأسد، وهذه الثنائية لم تعد قائمة، لكن بقي جوهر قرار مجلس الأمن، أي العملية السياسية، وشروطها داخل سورية حتى في ظل غياب النظام، وكأن كلفة القرار بصيغته القديمة ما تزال قائمة.
السبب في ذلك يرتبط حصرا، برغبة عواصم عربية وأجنبية، بعدم حدوث استفراد بالسلطة في سورية، وتحديدا لا تريد جهات عديدة في المنطقة أن تستفرد الحركات الإسلامية من درجات مختلفة بالحكم السوري، خصوصا، أن هناك فئات داخل سورية قد لا تتبنى هذا الاتجاه أيضا، والمخرج من هوية سورية المستجدة المحتملة وفقا للمخاوف الغربية تحديدا، هو في إجراء انتخابات وتقاسم السلطة عبر التمثيل من خلال المكونات السورية، ومنع بروز هوية محددة، تسيطر على كل شيء في سورية، خصوصا، مع وجود الحاضنة التركية في المنطقة.
الأردن لديه حسابات كثيرة معقدة، من بينها احتمال تمدد إسرائيل نحو الحدود الجنوبية لسورية واحتلال هذه المناطق بحيث لا تبقى لدينا حدود مباشرة مع سورية، وتتوسع حدود إسرائيل معنا، وأيضا ما يرتبط بوجود عشرات الجماعات المسلحة من اتجاهات مختلفة، بعضها ديني، والبعض الآخر قومي، وهناك جماعات على صلة بالمخدرات والسلاح، والمخاوف أيضا من حدوث مواجهات بين هذه الجماعات، خصوصا، أن بعضها متشدد جدا، وبعضها الآخر أقل تشددا، مثلما أن هناك آلاف المقاتلين الأردنيين من تنظيم النصرة سابقا، ما يزالون في سورية مع عائلاتهم، بعد منع عودتهم سابقا إلى الأردن، وما يعنيه ذلك على صعيد الحدود مع الأردن، أو إعادة تشكيل تنظيمات جديدة، إضافة الى احتمال انتعاش داعش مجددا، والتدخلات المحتملة من الإيرانيين عبر وكلاء لإفشال التغيير، وخلخلة الورثة.
العوامل السابقة، مع التقديرات الأمنية لمنسوب الاستقرار الإستراتيجي داخل سورية ترفع التوتر، وتساهم في تحديد درجة الاندفاع نحو النظام الوريث، والمؤكد هنا أن عملية الاعتراف بالنظام وشكل الحكم وأولوياته لن تكون أردنية فقط، بل ستخضع لمعادلات عربية وإقليمية ودولية، ستقرر التوافق معا الانفتاح على دمشق الجديدة، أو عزلها وتركها لتواجه مصاعب الخزينة، والوضع الاقتصادي، والوضع الأمني، والمحاسبات الداخلية، وإطفاء التوترات مع الأكراد، وغير ذلك من ملفات على ما يبدو ستتم إدارتها مع تركيا التي ستفوز اليوم بعد تبديل النظام بإعادة الإعمار وعقوده، وإدارة الموارد السورية، في حال ترك الأميركيون والإسرائيليون الفرصة لأنقرة.
استبدال الإيرانيين بالأتراك من جهة، كان صاعقة في المنطقة، لأن هناك عواصم لا تريد الإيرانيين لكنها لا تريد الأتراك أيضا، كما أن إسرائيل التي استثمرت في مشهد سقوط النظام ودمرت كل بنى الجيش السوري، عبر أكثر من 500 غارة، تريد سورية منزوعة السلاح، توطئة لمرحلة مقبلة، قد تأخذنا إلى إطلاق ثورة مضادة للثورة في سورية بسبب تردي الأوضاع والخلافات الداخلية، وقد تأخذنا إلى تكريس الانقسامات القائمة حاليا وبالذات في شرق سورية.
الخلاصة هنا تقول إن النظام الوريث أمام مهمات صعبة، ويكفي أن نراه لا يطلق رصاصة على إسرائيل التي احتلت أراضي سورية، ودمرت الجيش في تلبية منه لنصيحة إقليمية بأن لا يرد بأي شكل حتى يضمن الاعتراف الدولي ورفع العقوبات، وإعادة الإعمار، والقبول العالمي.
هذا مشهد معقد يأخذنا إلى الحقيقة المخفية بنعومة وراء كل هذه المشاهد التي نراها، فالنظام الوريث يواجه أزمات متراكمة، ولن يتم فك عقد الأزمات عن أكتاف سورية ما لم تضمن عواصم متنفذة التزام النظام الجديد بمواصفات محددة، والتكيف مع شروط المتنفذين والأقوياء والممولين. 
في كل الأحوال ليس من مصلحة العرب ترك سورية وحيدة اليوم.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير