القضاة يُطلق ناقوس الخطر.. والناصر يُغلق الباب بهدوء
محمود الدباس - ابو الليث
عندما يكون الحديث عن استقالة مسؤول في موقع حساس.. فإن الأمر يتجاوز مجرد انسحاب شخص من منصبٍ ما.. خاصة إذا اقترن السبب بإعلان واضح.. عن تدخلات وضغوط من جهات لا يحق لها ذلك.. هنا يتحول خطاب الاستقالة إلى ما هو أشبه بصرخة استغاثة.. أو دعوة لإيقاظ الغافلين عن خلل عميق.. يهدد مؤسسة الحكومة..
لقد قدّمتُ استقالتي مراراً في مؤسسات عملت بها.. داخل الأردن وخارجه.. وفي كل مرة كان الحوار هو سيد الموقف.. اجتماع بيني وبين الإدارة.. لمعرفة الأسباب وتحليلها.. وأحياناً كان هذا الحوار يثمر عن تصويب الأمور وإصلاح الخلل.. مما يثبت أن الاستقالة ليست مجرد خروج صامت.. بل يمكن أن تكون باباً لبدء تصحيح مسارات معوجة..
أما في حالة استقالة مدير عام دائرة الجمارك.. عطوفة اللواء جلال القضاة.. فإن المشهد مختلف تماماً.. لقد أوضح الرجل أن ضغوطاً وتدخلات خارجية.. هي السبب المباشر لاستقالته.. وهو تصريح لم يترك المجال للتأويل.. أو المواربة.. وبذلك يكون قد سلّط الضوء على مشكلة تمس سيادة الحكومة.. وقوة هيبتها..
وهنا نتساءل.. كيف تم التعامل مع هذه الاستقالة؟!.. هل قُبلت كأي استقالة عادية دون الوقوف عند أسبابها؟!.. وهل استُمع إلى الرجل بشكل مهني.. لفهم حقيقة الضغوط التي يتحدث عنها؟!.. أم أن قبول الاستقالة كان مجرد طيّ للصفحة.. دون أدنى محاولة للتعمق فيما وراء الكلمات؟!..
إن قبول استقالة كهذه دون فتح تحقيق جاد.. وشفاف حول الأسباب.. يعني شيئاً واحداً للمواطن الأردني.. هناك خلل يتجاوز الأشخاص.. ليصل إلى منظومة القرار.. فمن غير المعقول أن تُقبل استقالة مسؤول.. يعلن بوضوح عن وجود تدخلات تمس عمله.. دون أن تتحرك الحكومة وأجهزتها.. لفحص هذه الادعاءات ومعالجتها بجدية..
في المقابل.. نجد استقالة رئيس هيئة الخدمة المدنية.. عطوفة سامح الناصر.. الذي أوضح أن استقالته جاءت لأسباب شخصية.. وهي أسباب مقبولة.. إذا كانت خارجة عن إطار عمل الحكومة.. لأن المسألة هنا لا تتعدى كونه قراراً فردياً.. لا يرتبط بأداء المؤسسات أو نزاهتها..
أما في حالة اللواء القضاة.. فإن الأمور تختلف.. فمن الواضح أن استقالته جاءت كرسالة واضحة لأصحاب القرار.. رسالة مفادها أن هناك أطرافاً تعبث بمفهوم دولة المؤسسات.. وهنا يصبح دور الحكومة هو التصدي لهذه العبثية.. بدلاً من الاستسلام لها..
نحن بحاجة إلى إجابة واضحة.. هل ما قاله اللواء القضاة صحيح؟!.. إذا كان كذلك.. فإن الأصل هو رفض الاستقالة.. والعمل على تصحيح المسار.. وإن لم يكن صحيحاً.. فمن حقنا كمواطنين أن نعرف الحقيقة.. من خلال تصريح رسمي.. يُزيل الغموض.. لأن ترك الأمور دون تفسير.. يُساهم في زعزعة ثقة المواطن بالحكومة ومؤسساتها..
إننا في دولة تقوم على القانون والمؤسسات.. وأي استقالة تُبنى على أساس ضغوط وتدخلات.. يجب أن تُعامل كناقوس خطر.. لا كإجراء روتيني.. فالتغاضي عن مثل هذه القضايا.. ليس ضعفاً فقط.. بل هو تفريط بما تبقى من ثقة الشعب بمنظومة الحكومة..
إلى أصحاب القرار.. هذه الاستقالة ليست مجرد ورقة تُقدم وتُقبل.. بل هي اختبار حقيقي لقدرتكم على حماية الحكومة من العبث والتلاعب.. اختبار لرؤيتكم في إدارة الأزمات.. فإما أن تكونوا على قدر المسؤولية.. أو أن يتحول صمتكم إلى دليل جديد.. على هشاشة ما تبقى من هيبة المؤسسات..
هذه رسالة من مواطن ليس له أي مصلحة شخصية.. ولا معرفة بصاحب القضية.. وإنما كتبتها.. لأن الاستقالة كانت على مسمعي.. ولي الحق ان أفهم الحيثيات..