اجتماع العقبة.. العرب والسوريون
محمد أبو رمان
لا تزال العديد من الهواجس تحكم موقف الدول العربية تجاه القوة الثورية المسلحة الجديدة في سورية، وبالرغم من أنّ هنالك رسائل حسن نوايات متبادلة بين العرب والقيادات السورية الجديدة، إلاّ أنّ العديد من الأسئلة لا تزال مطروحة بهذا الخصوص، من بينها شكل النظام الجديد، فيما إذا كان سيأخذ طابعاً مدنياً وحدوياً، يحافظ على وحدة سورية، أو يشكّل امتداداً لتيار الإسلام السياسي، الذي تأخذ العديد من الدول موقفاً متشككاً وخصيماً له؟!
إلى الآن تتسابق الدول العربية والإقليمية على بناء علاقات مع القوى السورية الجديدة، ويأتي اجتماع العقبة التاريخي (لمجموعة الاتصال العربية بالإضافة إلى الأميركيين والأتراك والأوروبيين) وزيارة وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة، أنتوني بلنكن، في محاولة لتوحيد وتأطير الأجندة الإقليمية والدولية تجاه سورية وهندسة المرحلة القادمة من عملية إعادة البناء، بينما تتلقى هيئة تحرير الشام إشارات ورسائل إيجابية من الإدارة الأميركية وأوربا بالاستعداد للتعامل معها وبفتح الباب أمام إزالة الهيئة وقادتها من لائحة الإرهاب الأميركية، وبإمكانية إزالة العقوبات الدولية على النظام السوري الجديد، وذلك كلّه – بطبيعة الحال- مرتهن بالمرحلة الانتقالية القادمة.
بالرغم من هذه الإشارات والرسائل الإيجابية والرسائل المقابلة الصادرة عن هيئة تحرير الشام، إلاّ أنّه من المبكّر القول بأنّ الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، فما تزال هنالك منعرجات خطيرة وكبيرة وتحديات جسام أمام بناء سورية الجديدة، ومن بين الأسئلة المتعلقة بالمرحلة القادمة سؤال الإسلام السياسي وشكل النظام الجديد في سورية، مع وجود مخاوف للعديد من الدول والحكومات العربية بأن يكون ما حدث في سورية بمثابة ملهم لعودة الإسلام السياسي إلى المشهد الإقليمي أو طموحات الربيع العربي الموءودة التي تحولت خلال الأعوام الماضية إلى كابوس بعدما دخلت العديد من الحكومات والدول العربية في شبح الفوضى والصراعات الداخلية وبعضها في آتون التقسيم..
بعض المسؤولين العرب بدأ يتحدث عن سيناريو توسيع النفوذ في سورية الجديدة، وهو سيناريو يقفز عن متغيرات مهمة من ضمنها الاستدارات التركية التي وقعت خلال الفترة الماضية، وبأنّ ما يحرك تركيا بدرجة أكبر ليس استعادة الربيع العربي أو دعم الإسلام السياسي وإنما مصالح تركيا الاستراتيجية المتعلقة بما تعتبره خطراً كردياً وبعودة اللاجئين السوريين وبوجود نظام صديق في الجوار، وبرد الاعتبار لدور تركيا الإقليمي، ومكانتها الاستراتيجية في السياسات العالمية.
لكن يبقى سؤال العلاقة بين الدين والدولة والخشية من هيمنة الإسلاميين على النظام الجديد، سواء عبر عملية تصميم الدستور أو في أي انتخابات قادمة، أو أن يستثمر أحمد الشرع (زعيم هيئة تحرير الشام) قوته الحالية وحرص الدول الإقليمية والكبرى على التواصل معه ليكون الرجل القوي في سورية الجديدة، ذلك كلّه تحدّ كبير ومتوقع بشدة، لكن في المقابل فإنّ النظرية التي تؤمن بها بعض الدول العربية تتمثل في أنّ ترك سورية الجديدة والتخلي عنها هو سيناريو شبيه للخطأ الكبير الذي ارتكبه العرب بعد احتلال العراق عندما قاموا بإدارة الظهر للنظام الجديد وانتهى الأمر لأن يصبح النفوذ الأكبر هناك هو الإيراني، من هنا سارعت دول عربية إلى محاولة الدخول على خطّ الحالة السورية الراهنة، وهنالك أيضاً شعور أردني رسمي بالغضب من إسرائيل التي لم يعد سلوكها العدواني مقتصراً على فلسطين، بل حتى في سورية، وما تقوم به حالياً من احتلال لمناطق في جنوب سورية يمثّل بالنسبة للأردن مصدراً رئيساً من مصادر التهديد للأمن الوطني الأردني لما له من آثار سلبية على الحالة السورية وعلى المصالح الاستراتيجية الأردنية في الجنوب السوري.