فلسطين بريئة لهذه الأسباب
ماهر أبو طير
لا يوجد قضية تم توظيفها لظلم الشعوب مثل قضية فلسطين، وكل نظام عربي ظالم يريد سحق شعبه والاستمرار في حكم شعبه، أو تدمير مصالحه يتدثر ويتغطى بفلسطين وأهل فلسطين.
هذا الكلام نراه في نماذج وأمثلة عربية كثيرة منذ الأربعينيات حتى يومنا هذا، وفلسطين لدى بعض الأنظمة العربية القائمة أو البائدة مجرد عنوان لتحسين السمعة، أو شد أعصاب الداخل نحو خطر يتعلق بفلسطين، وهو شد زائف يستهدف النيل من حقوق أي شعب عربي.
أنظمة عربية مختلفة رفعت شعار تحرير فلسطين، بعضها كان صادقا ودفع ثمن صدقه، وبعضها الآخر كان كاذبا منذ اليوم الأول، ولربما هذا الكاذب قدم خدمات جليلة لإسرائيل.
ما علاقة فلسطين بإضاعة ثروات شعوب عربية مثل العراقيين والسوريين والمصريين وغيرهم في مراحل قديمة وجديدة، وما علاقة فلسطين بانتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها بعض الأنظمة حين تعتبر أن كل ناقد وصاحب رأي يهدد المجهود الحربي لتحرير فلسطين، فيتم الانتقام منه بوسائل مختلفة، والعنوان الكاذب هو فلسطين في حالات كثيرة، بما أدى إلى الزج بشعوب عربية في معارك ومحارق، حتى صدقت بعض هذه الشعوب أنه لولا فلسطين لما تعرضوا إلى كوارث كبرى، بل إن بعض الشعوب انتقمت من الفلسطينيين ذاتهم الذين يعيشون بينهم باعتبارهم سبب البلاء، وهذا أمر شهدناه في أكثر من دولة عربية خلال العقود الماضية.
تخيلوا أن أبشع فرع أمني في سورية مثلا، يتم فيه سفك دماء الفلسطينيين كان يسمى فرع فلسطين، حتى يصل الناس الى مرحلة يتمنون فيها حرق فلسطين من شدة المظالم التي تقع عليهم في هذا الفرع الأمني الدموي، والذي سمي هكذا لأنه كان حلقة وصل بين النظام السوري السابق والتنظيمات الفلسطينية في سورية، لكن المؤلم ان يخرج الضحايا اليوم ليحكوا لك عن معاناتهم في فرع فلسطين، وكأن الاسم المقدس، أصبح عنوانا للظلم والإذلال والقتل.
في السياق ذاته تورطت تنظيمات فلسطينية في دول مختلفة في العراق، وسورية، ولبنان، وربما دول ثانية بالتبعية للأنظمة الحاكمة في تلك الدول، مقابل الإقامة والدعم المالي والعسكري، وتورط بعضهم في أعمال عسكرية ضد شعوب تلك الدول، وهي أعمال لا علاقة لها بفلسطين أساسا لكنها خدمة للنظام الظالم، وهكذا تشوهت سمعة الفلسطينيين لدى بعض الشعوب العربية، حين تدخلت بعض هذه التنظيمات بأزمات داخلية، في سياقات مختلفة، بعضها كان ظاهره وطنيا، وبعضها الآخر كان خدمة لطرف ما، وبعضها من باب رد الفعل، لكن الأهم أن فلسطين تم الزج بها بحروب مدنسة، لا علاقة لها بفلسطين، ولا تحرير فلسطين، فوق ما تفعله إسرائيل من اختراقات لهذه التنظيمات بهدف تفكيكها، أو توريطها في حروب أهلية في دول عربية لغايات محددة.
لم ينجز أي نظام رسمي اختبأ تحت مظلة فلسطين، على شكل حزب حاكم، أو عنوان ثوري، أو أي طريقة، أي إنجاز، بل على العكس ثبت أن فلسطين مجرد عنوان يتم التزين به، فلا فلسطين عادت، ولا الأشقاء العرب الذين تم حكمهم بالحديد والنار عاشوا، حتى أن بعضهم يظن أن أزمته المالية الخانقة كانت بسبب حروب مثل 1973، وما سبقها من حروب، في سياقات تغذية الأنظمة لرواية الهزيمة، والبحث عن أكتاف لتحميلها مسؤولية النتيجة.
لو نطقت فلسطين، لما قبلت ظلم أي إنسان عربي، باسمها، أو شن حروب خاسرة مسبقا باسمها، أو تضييع موارد أي بلد باسمها، فهي لم تطلب ذلك وهي أيضا بريئة من مهازل النظام الرسمي العربي الذي يبحث عن شرعيات لتبرير إخفاقاته، أو هزائمه، أو جوره وظلمه.
ولولا الملامة والعتب والغضب ربما، لدخلنا بالتفاصيل، حالة تلو حالة، لكن الطريق إلى فلسطين لا يمكن أن يمر عبر مظالم الأشقاء العرب، حيث لا يجتمع الجور مع العدل.
فلسطين تجارة لأنظمة وأحزاب وجهات وأشخاص، عدا الأطهار حقا.