الألوان وسر خضرة ورق الشجر

منذ ولادتنا ونحن نرى الأشياء بألوانها تحيط بنا من كل جانب، ولكن هل تساءلت يومًا عن ماهية هذه الألوان ولِمَ نراها هكذا؟ أوراق الشجر على سبيل المثال عادةً ما تكون خضراء، فهل هذا يدلّ على أن الذرات التي تتكوّن منها ورقة الشجر هي مطلية بالأخضر؟
الحقيقة أن الألوان ليست طلاءً ثابتًا يغطي الذرات والجزيئات، إنما هي نتيجة لتفاعل الضوء مع الأشياء وانبعاثه منها، فأوراق الشجر مثلًا لا تشع بذاتها، ولكن ما أن يأتيها نور الشمس الأبيض -والذي هو خليط من الألوان كلها- فإنها تتزيّن بلونها الأخضر، وهذا يعود إلى التركيبات الذرية والجزيئية التي تتألف منها الورقة.
بداية يأتي عليها الضوء الأبيض، ثم تمتص هذه الورقة جميع الألوان وتعكس جزءًا كبيرًا من الضوء الأخضر، الذي يصل إلى أعيننا، والتي بدورها ترسل رسالة كهربائية إلى أدمغتنا لتدرك أن هذا اللون هو الأخضر، ومصدره الظاهر هو الورقة، فيرتسم في مخيلتنا أن أوراق الشجر خضراء، لكن الورقة في الحقيقة كانت تلعب دور الوسيط بيننا وبين أشعة الشمس، وهي في حقيقتها لا تشع، فلونها الظاهر يتعلق بالضوء المسلط عليها، ولكن لمَ اللون الأخضر وليس الأحمر مثلًا؟
تحتوي معظم النباتات على الكثير من الكلوروفيل (أو اليخضور)، هذا الجزيء يمتص الضوء في النهار ويحوله إلى غذاء للنبات ضمن عملية التمثيل الضوئي المشهورة، ومن المعروف أن الكلوروفيلات -لا سيما الكلوروفيل أ والكلوروفيل ب- تظهر امتصاصًا قويًّا في المناطق الطيفية الزرقاء والحمراء، لكنها تمتص الأخضر بشكل سيئ.
تشرح أحيانًا نصوص العلوم المشهورة وحتى كتب علم الأحياء اللون الأخضر لأوراق النبات بالقول بأن الكلوروفيل يمتص الأزرق والأحمر ولكنه يعكس الضوء الأخضر. أصول هذه الفرضية غير واضحة رغم أنها منتشرة على نطاق واسع.
فقد أظهرت دراسة حديثة أن اللون الأخضر لأوراق النبات لا يُعكَس من قبل الكلوروفيل، وأنَّ أوراق النبات الصفراء والبيضاء التي تكاد تكون خالية من الكلوروفيل قد تظهر إنعكاسًا أعلى كفاءة من الأوراق الخضراء من نفس النوع في المنطقة الطيفية الخضراء، بل وقد يقلل وجود الكلوروفيل من انعكاس الضوء الأخضر بدل أن يزيده.
ما يحدث في الحقيقة هو أن الكلوروفيل يمتص الطيف الأحمر والأزرق فيما يُعكَس الطيف الأخضر من قبل أجزاء مختلفة من الورقة.
إذا كان الكلوروفيل لا يعكس الضوء الأخضر، فما الجزء المسؤول عن انعكاس لون الأوراق الأخضر؟ لا تعرف الدراسة هذا الجزء الحيوي بشكل محدد، لكنها ترشّح السليلوز (Cellulose) في جدران الخلايا، إذ تعكس الورقة البيضاء المكونة من السليلوز النطاق المرئي بأكمله تقريبًا، تدعم الكمية الكبيرة من جدران الخلايا في ورقة النبات هذه النظرية أيضًا.
والخلاصة أننا نرى ورقة الشجر خضراء لأن الضوء الأخضر يُمتص بكفاءة أقل بواسطة الكلوروفيل أ و ب من الضوء الأحمر أو الأزرق، لذا فإن الضوء الأخضر لديه احتمالية أكبر لأن ينعكس بشكل منتشر من جدران الخلية أكثر من الضوء الأحمر أو الأزرق.