الأردن.. توازن السياسة الخارجية وأولوية معالجة الأزمات الداخلية

{title}
أخبار الأردن -

 

محمد صبيح الزواهرة

في السنوات الأخيرة، أثبتت السياسة الخارجية الأردنية قدرتها على تحقيق توازن سياسي وعلاقات دبلوماسية ناضجة، ما جعلها نموذجًا يُحتذى به في ظل البيئة الإقليمية والدولية المضطربة التي تشهد العديد من الأزمات والتحولات الجذرية. فقد نجحت الأردن في الحفاظ على دورها كقوة استقرار وسط حالة من الفوضى والاستقطاب الإقليمي الذي ألقى بظلاله على دول المنطقة، محققةً مكانة مهمة في الحفاظ على مصالحها الوطنية، والابتعاد عن التدخل في صراعات إقليمية أو تحالفات مكلفة لا تعود بالنفع على استقرارها الداخلي.

لقد شهدت العلاقات الدولية والإقليمية تغيرات جذرية في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك تزايد النزاعات، والهزات السياسية، والتحولات الكبرى التي شملت دولًا في محيطنا الإقليمي وفي العالم. ورغم هذه المتغيرات العميقة، تمكنت السياسة الخارجية الأردنية من الحفاظ على ثباتها ودورها كعامل استقرار، مما عزز مكانة الأردن كدولة تحظى بالاحترام والتقدير على المستويين الإقليمي والدولي. فقد حرصت الأردن على التمسك بسياسة عدم الانحياز، ونجحت في إدارة علاقاتها مع مختلف القوى الدولية والإقليمية بحكمة، بما يحفظ مصالحها ويجنبها الوقوع في صراعات حادة لا تخدم استقرارها الداخلي.

ومع هذه النجاحات في السياسة الخارجية، تبرز ضرورة تساؤل ملحّ حول مدى قدرة الأردن على ترجمة هذه الحكمة والمرونة إلى الداخل لمعالجة الأزمات المحلية المتفاقمة. فعلى الصعيد الاقتصادي، يعاني الأردن من تحديات عميقة تُهدد استقرار المجتمع في جوهره. الاقتصاد الأردني يعاني من مجموعة من الأزمات التي تضع الدولة أمام تحديات كبير

• البطالة المرتفعة: تعاني فئة الشباب بشكل خاص من معدلات بطالة مرتفعة، ما يزيد من حالة الإحباط الاجتماعي ويهدد الاستقرار الداخلي.

• الفقر المدقع: التي ارتفعت نسبته بشكل كبير نتيجة عوامل اقتصادية متراكمة كالتضخم وتراجع فرص العمل.

• المديونية العامة: التي وصلت إلى مستويات قياسية وتؤثر بشكل مباشر على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها التنموية، وتقديم الخدمات العامة اللازمة للمواطنين.

هذه الأزمات الاقتصادية العميقة تُترجم إلى ضغوط سياسية داخلية، حيث يشعر المواطنون بالاستياء من ضعف الأداء الحكومي، وعدم وجود خطط اقتصادية واقعية لمعالجة هذه القضايا. الضعف في الأداء الحكومي وتحديدًا في ملفات كالتخطيط الاقتصادي والتنمية، يثير غضب المواطنين ويقوض من قدرتهم على التفاعل مع الدولة بشكل إيجابي.

 

وعلى الصعيد السياسي، فإن ضعف الإصلاحات السياسية هو الآخر يشكل تحديًا كبيرًا يعرقل قدرة الدولة على التعامل مع الأزمات الداخلية. حيث لا تزال الإصلاحات السياسية تفتقر إلى العمق والفاعلية المطلوبة، مثل قوانين الانتخاب والأحزاب، التي لم تشهد تغييرًا حقيقيًا يتيح تعزيز المشاركة الشعبية الحقيقية، ويعزز الديمقراطية ويحقق تطلعات المواطنين في المشاركة السياسية. غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمتابعة الإصلاحات يعكس خللًا جوهريًا في التفاعل بين المواطن ومؤسسات الدولة، مما يزيد من الشعور باليأس وفقدان الثقة في قدرة الحكومات على تقديم حلول ناجعة للأزمات.

وبالإضافة إلى هذه التحديات الاقتصادية والسياسية، تبرز أزمة اللاجئين كعامل ضغط إضافي على البنية التحتية والخدمات الأساسية في الأردن. استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين، خصوصًا في ظل الأزمات الإقليمية، أدى إلى زيادة الضغط على الموارد والخدمات العامة كالتعليم والصحة والبنية التحتية، مما شكّل عبئًا إضافيًا على الدولة. هذه الأزمة لم تعد أزمة مؤقتة بل تحولت إلى مشكلة مستدامة تتطلب حلولًا سياسية واستراتيجية شاملة لمعالجتها.

أمّا على الصعيد البيئي، فإن أزمة ندرة المياه تُعد من أبرز الأزمات التي تواجه الأردن، كونها من بين الدول الأشد فقرًا في الموارد المائية. استمرار هذه الأزمة يهدد الاستقرار الداخلي بشكل مباشر، لا سيما في ظل تزايد الطلب على المياه نتيجة النمو السكاني وتغير المناخ.

إن تحقيق الاستقرار الداخلي يتطلب من الدولة تطبيق النهج ذاته الذي اتبعته في السياسة الخارجية، من خلال تعزيز التعاون بين المؤسسات وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية تعالج هذه الأزمات بفاعلية. التوجه نحو حلول شاملة ومستدامة في مجالات مثل التعليم، الصحة، البنية التحتية، والمياه، سيسهم في تعزيز قدرة الدولة على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعيق استقرارها الداخلي.

توازن السياسة الخارجية الأردنية وضرورة ترجمته لحل الأزمات الداخلية هو السبيل لتعزيز منعة الدولة ومقدرتها على مواجهة تحديات العصر، وضمان استقرارها على المستوى الإقليمي والمحلي. تحقيق هذا التوازن سيمكن الأردن من توسيع مجال المناعة الوطنية التي تضمن بقائه في موقعه كركيزة استقرار في المنطقة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير