‏السؤال الغلط: ‏مع الأسد أم مع الجولاني؟

{title}
أخبار الأردن -

 

‏حسين الرواشدة

يا خسارة،  ثمة من لا يزال يسأل: ‏مع من تقف ؟ مع سوريا القديمة في ظل حكم عائلة الاسد المخلوع ، ام مع سوريا الجديدة برعاية التنظيمات المسلحة ، و قائدها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)؟‏

الإجابات التي ترددت في مجالنا العام (في الأردن تحديدا ) خلال الأيام الماضية تبدو متضاربة ، ومخجلة ايضاً، البعض ( تصوروا إلى أين وصل تفكيرهم) يعتقد أن سوريا الاسد كانت القلعة الاخيرة للممانعة والصمود،  وان ما تعرضت له هو جزء من مخطط دولي يستهدف تقسيمها ، وتحويلها إلى حديقة خلفية للقوى المتصارعة عليها،  وفي مقدمتهم إسرائيل ، وبالتالي فإنه بقاءه، او استعادتة(!) (  على الرغم من وحشيته ) ضرورة قومية.

الاخرون، وهم أغلبية،  يعتقدون ان ما فعله هذا النظام بحق الشعب السوري أسوأ مما قد تفعله أي سلطة قادمة،  مهما كان شكلها ، وأن واقع سورية الحقيقي، ومواقفها  -طيلة الحقبة الماضية-  لا ينصرف باتجاه أي ممانعة أو مقاومة ، وبالتالي فإنه خلاص السوريين من هذا النظام الدموي ، بأي  وسيلة، يستحق الاحتفاء،  حتى لو تم بالتحالف مع الشيطان ، وحتى لو كانت النهاية هي فدرلة سوريا، المقسمة أصلا.

‏مع الاحترام لكافة الآراء والمواقف ، هذا السجال الذي يدور ، وقد تكرر في دول عديدة سقطت فيها أنظمتها ، يندرج -بتقديري- في إطار (السؤال الغلط )، ليس فقط لأن ما حدث أنتهى وأصبح من الماضي ، وإنما لأننا للأسف افتقدنا الشرعيات الأخلاقية ، والمعايير المحددة والواضحة التي يمكن أن نستند إليها في تصحيح اختيارات المواقف وإصدار الأحكام  تجاه ما يحدث في بلداننا ، وآخرها سوريا ،نحن نتعامل مع نوازلنا بناء على مواقف أيدولوجية. وانفعالات وقتية ، ونُغيّب اهم قيمة معتبرة وهي قيمة الإنسان وكرامته ، هذة التي لا يمكن ادراجها في قائمة "الخسائر التكتيكية" او الفضائل النضالية، او غيرها من المقولات المغشوشة التي ضيعت الأوطان وأهدرت قيمة الإنسان .

‏من المفارقات ، في بلدنا ، أن الذين اجتمعوا على شعار المقاومة في غزة ولبنان ، والحرب ضد الاحتلال ، افترقوا على عتبة سوريا،  بين مؤيد للأسد ومؤيد للجولاني ، من المفارقات ،  أيضا،  أن إطار الأمة الواحد الذي يفترض أن يكون معيارا للفرز بين مواقف الطرفين تكسر على أبواب سوريا ، البعض يرى النظام القديم  هو الممثل للقضايا العربية ، فيما يرى الطرف الآخر عكس ذلك ، من المفارقات ، ثالثا،  أن الشعب السوري الذي تعرض للقهر والظلم ، على امتداد العقود الماضية ، لا يملك القرار ولا الخيار ، وأن من يقرر مصيرة أطراف أخرى ،داخلية وخارجية ، لا تراه إلا من ثقب أبواب مصالحها وصراعاتها على سوريا.

‏ما يحدث الآن في سوريا حدث في ليبيا ، والعراق والسودان واليمن ،وغيرها من اقطارنا العربية ، كان  ذلك عشية الربيع العربي ، الدول التي كانت شعوبها تعاني من الظلم ولاستبداد تحولت إلى دويلات ، الشعوب التي حلمت بالحرية والعدالة والديمقراطية غرقت ،وما تزال ، بالدم والخوف والإرهاب ، من يلوم من ؟ لا إجابات لدى الإنسان العربي ولا خيارات أمامه ، يهرب من الدلف إلى المزراب ، يبحث عن أوطان يحس بها لكنها لا تحس به ، وبالطبع لا نهايات للصبر والمعاناة.

‏في بلدنا ، لابد أن نستدعي كل هذا الخراب الذي يحيط بنا كالسوار ، وكل هذه النيران التي تحاصرنا من كل اتجاه ، لكي نرسخ في ذاكرتنا قيمة الأردن /الدولة ، ونخرج من دوائر التلاوم  والمكاسرات والمقارنات ،   ومن حالات التقمص التي أورثتنا الانفصام الوطني ، ومن التسلق على عرائش الآخرين وأسوارهم ، ألا يستحق بلدنا الشكر مهما كانت الظروف والأحوال ، ألا يستحق الأردنيون ادارات ونخبا ومسؤولين من يليق  بتعبهم وتضحياتهم،  أليس من واجبنا اليوم أن نضع الأردن في صميم أولوياتنا ، وأن  نلتف حول عرشه وجيشه ومؤسساته،  بدلا من أن  نغرق في الأسئلة الغلط ، والنقاشات التي لا تولد الا مزيدا من الانفعال والكراهية الانقسام؟

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير