الجغبير يكتب: الأردن لا يخشى سوريا قوية
اياد الجغبير
منذ أن اندلعت الأزمة السورية قبل ثلاثة عشر عامًا، اختار الأردن أن يحافظ على حسن الجوار ، واستمر بتشبثه برؤية واضحة ترسم الطريق نحو حل سياسي يحفظ لسوريا وجهها، ويصون دماء شعبها.
لم يكن صوت الأردن غائبًا عن المشهد، بل كان حاضرًا بقوة و وضوح، آنذاك دعا جلالة الملك عبد الله الثاني الرئيس السوري بشار الأسد، للتنحي بطريقة تفتح الأبواب لحوار سياسي يضمن بقاء سوريا آمنة ومستقرة.
في تلك اللحظات العاصفة، تحدث الملك مع الأسد مرتين خلال بدايات الربيع العربي، وهذا ما صرح به الملك في ذلك الوقت على شبكة بي بي سي وحثه على ضرورة الإصغاء إلى نبض الشارع السوري.
لكن يبدو أن نصيحة الأردن سقطت في صمت دمشق، ولم تجد صدى لدى قيادة كانت تمضي في طريق الدم دون التفات.
مؤخرا كثر اللغط حول محاولة أردنية لدعوة الأسد لتشكيل حكومة في المنفى وبينت السفارة الأردنية في واشنطن انه حديث عارٍ عن الصحة، وحتى دون تصريح السفارة فأن المتتبع لتصريحات الأردن و مواقفها يعلم بأن هذه التسريبات لا تتماشى مع نهج الأردن القائم على احترام سيادة الدول، والالتزام بسياسة تنبذ الفوضى وتدعو إلى الحوار.
سنوات الأزمة كانت ثقيلة الوطأة على الأردن. عبر حدوده، جاء الآلاف من الباحثين عن الأمان، ومعهم أعباء اللجوء وضغوطه. وعلى تلك الحدود نفسها، واجه الأردن مخاطر التهريب والجماعات المسلحة. ورغم كل ذلك، لم يتبدل موقفه، وظل صامدًا يعاند الرياح، داعيًا إلى سوريا موحدة وقوية.
في زيارته الأخيرة إلى واشنطن، تحدث الملك بجرأة ووضوح عن ملفين حاسمين: فلسطين بكل ما يدور في غزة والضفة الغربية، وسوريا التي لا تزال ترزح تحت وطأة الصراعات. وجه تحذيرًا للإدارة الأمريكية من مغبة اتخاذ قرارات قد تضاعف أزمات المنطقة، مؤكدًا أن الحلول السياسية وحدها هي الطريق إلى الاستقرار.
لم تتوقف الحركة الدبلوماسية عند هذا الحد. وزير الخارجية أيمن الصفدي حمل رسالة الأردن إلى نيويورك، ودعا في اجتماعاته إلى ضرورة حفظ وحدة الأراضي السورية و الانفتاح على مطالب الشعب.
ولم تكن مشاركة الأردن في اجتماع الدوحة والذي وصل دوره فيه إلى اكبر من ذلك قبل فرار الأسد إلى روسيا بأقل من يوم إلا تأكيدًا على التزامه برؤية تُجنّب المنطقة مزيدًا من التعقيد والفوضى.
طوال هذه السنوات، لم يخشَ الأردن من رؤية سوريا قوية، بل كان يخشى من سوريا ضعيفة تُصبح ملعبًا للميليشيات والتنظيمات المتطرفة.
وما بين احترام خيارات الشعب السوري، ورفض الفراغ الذي قد يغرق البلاد في الفوضى، حافظ الأردن على خطاب اتسم بالاتزان، واضعًا سوريا نصب عينيه، كأخ شقيق لا يُريد له إلا الخير.
الأردن، بحكمته التي مزجت السياسة ببعد النظر، ظل وفيًا لثوابته، مدافعًا عن سوريا مستقرة وآمنة، ترى فيها شعوب المنطقة نموذجًا للسلام بعد العاصفة.