البستنجي لـ"أخبار الأردن": سيناريو التقسيم في سوريا بدأ بالفعل
قال الكاتب والباحث في الشأن الدولي الدكتور حيدر البستنجي إن ما يجري في سوريا اليوم يعكس حالة انهيار تدريجي لنظام أصبح هشًا لدرجة تدفع أطرافًا متعددة إلى استغلال ضعفه لإعادة رسم خارطة النفوذ داخل البلاد.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هناك ظهورًا لمجموعات تدّعي المعارضة، إلا أنها تفتقر إلى الشرعية والهوية الوطنية الواضحة، لتجد الولايات المتحدة في هذا الوضع فرصة سانحة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وأبرزها إخراج إيران من سوريا دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة.
وأكد البستنجي أن النظام السوري، الذي يدرك حجم التحديات التي تحيط به، يحاول التحصن في مناطقه الأساسية، متمثلة في الساحل ودمشق، حيث يسعى لتأمين الحد الأدنى من سيطرته وسط تصاعد الحديث عن محاصصة سياسية قد تنتهي بإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للبلاد، مضيفًا أن هذه الترتيبات، التي يبدو أنها تتم بتفاهمات ضمنية بين الولايات المتحدة، وروسيا، وتركيا، وإسرائيل، تستهدف إخراج إيران من المشهد السوري كهدف رئيسي.
ولفت الانتباه إلى أن هذه التحركات تزامنت مع توقف الضربات الإسرائيلية على لبنان، ما يعكس عمق التفاهمات الإقليمية والدولية التي تدور خلف الكواليس.
في هذا السياق، تظهر مفارقة لافتة: حالة عدم الثقة المتبادلة بين النظام والشعب، فالأخير لم يعد يثق بالنظام، والنظام بدوره لا يثق بشعبه، الأمر الذي يمكن تسميته بـ "طلاق غير معلن"، حيث يفضّل النظام تقديم التنازلات للقوى الخارجية على أن يمنح الشعب فرصة تقرير مصيره، إذ يدرك النظام أن أي تنازل داخلي يعني نهايته المحتومة، لذا فهو متمسك بعلاقته القائمة على القمع لضمان بقائه، حتى لو كان الثمن هو بيع أوراقه السياسية والاقتصادية للقوى الإقليمية والدولية.
واستطرد البستنجي قائلًا إن الدور الروسي، الذي كان يُفترض أن يشكل نقطة ارتكاز للنظام، بات محدودًا بفعل انشغال موسكو في حربها في أوكرانيا، ما أدى إلى اقتصار دعمها على سلاح الطيران دون القدرة على تقديم دعم أوسع، فيما بدأت إيران تنسحب تدريجيًا من الساحة السورية نتيجة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وعجزها عن مواجهة الاستراتيجية الغربية في هذه المرحلة.
وأشار إلى أن النظام السوري يجد نفسه اليوم في عزلة مزدوجة، فهو بلا حلفاء حقيقيين قادرين على دعمه، وبلا قاعدة شعبية يعتمد عليها، حتى الحاضنة العلوية، التي كانت تُعدّ ركيزة لاستمراره، أصبحت أكثر قلقًا واستعدادًا للتخلي عنه إذا كان ذلك ضروريًا لضمان بقائها، فمعركة حمص تمثل نقطة تحول خطيرة؛ وسقوطها يعني بداية تفعيل سيناريو التقسيم بشكل عملي. وفي مواجهة هذا الخطر، يحاول النظام الحفاظ على ما يمكنه من الساحل كملاذ أخير، حتى لو اضطر للتخلي عن دمشق.
وحذر البستنجي من أن الوضع السوري برمّته يعد انعكاسًا لتفاعلات إقليمية ودولية معقدة، والمصلحة الكبرى مما يجري تعود لإسرائيل، التي تحقق أهدافها الاستراتيجية على حساب الشعب السوري، الذي يبقى الضحية الأكبر في هذه المحاصصة السياسية التي تصب عوائدها لصالح القوى الإقليمية والدولية مثل تركيا وغيرها.
حتى العراق، الذي يُفترض أن يكون داعمًا للنظام بحكم الروابط الطائفية والسياسية، يلتزم الصمت بفعل قيود دولية واضحة تمنع أي تدخل من فصائله الشيعية. أما الأكراد، فهم يستغلون الفوضى لتعزيز سيطرتهم على مناطق شمال الفرات ودير الزور، في خطوة تعزز طموحاتهم في تحقيق حكم ذاتي موسع، وفقًا لما صرّح به البستنجي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وقال إن المؤشر الأخطر في هذه المعادلة هو حركة النزوح المتزايدة للعلويين باتجاه الساحل، ما يعكس استعدادًا ضمنيًا لتقبل سيناريو التقسيم كواقع لا مفر منه، وفي نهاية المطاف، يجد النظام السوري نفسه في مواجهة مصير محتوم: معزول داخليًا وخارجيًا، متخليًا عن أوراقه واحدة تلو الأخرى، فيما تتسارع الأحداث لتعيد تشكيل خارطة سوريا على أسس جديدة تخدم مصالح الأطراف الإقليمية والدولية، وليس مصالح السوريين.