الحرية ليست منّة.
إبراهيم أبو حويله...
تلك النعمة التي تمنُ عليّ بها هي حق لي، ولكنك عبّدت بني إسرا ئ يل فأصبحت الحرية منّه، فأنت تقول لي أنها نعمة وهي في الحقيقة حق، وكان ذلك في معرض رد موسى عليه السلام على فرعون الآية.
ولكن الحقيقة التي نقف معها، ومع ذكر فرعون في القرآن بأكثر من سبعين مرة، وهنا أقف مع الهدف القرآني لهذا الذكر، وهي تلك الصفات التي تتمتع بها هذه الشخصية، فهو من جهة ككل الطغاة سطحي النظرة والفكرة والمآل، وهو يزعم بأنه يملك كل الحقيقة.
وهو يتبعه ملإ " لعلنا نتبع السحرة ان كانوا هم الغالبين"، وفي تتبع الآيات القرآنية تجد كيف أن القرآن تتبع كل صفة تؤدي إلى صناعة فرعون الظاهرة وليس الإسم ولا المسمى، ووضحها ووضح منهجها وآلية التطبيق التي يعتمد عليها الطاغية في تسخير الفئة المستهدفة، حتى يظهر لك الله عز وجل بأن الحرية ليست منّه ولكنها حق، ولكن فرعون يقول بأنها منّه هو، وعليهم الشكر، وتجد ان ذكر موسى عليه السلام يصل إلى اكثر من مائة وثلاثين مرة، وهنا اقف مرة اخرى مع الغزالي، وقصة تستحق التأمل بأننا لم نتعامل مع التوجيه القرآني ولا الخطاب القرآني ولا العبرة القرآنية كما يجب.
ولذلك نجد أن أمراض الأمة اليوم تفاقمت وعظمت، وان الإستهداف الواقع عليها تجاوز كل الحدود، هل كان لعلماء الأمة دور فيما وصلنا إليه، للإسف نعم، هذه الأمة لو تتبعت قرآنها لتمت برمجة ابنائها او تربيتهم او تنشأتهم على مفاهيم حضارية، ترفض الإنصياع لتلك الفئة التي تريد أن تحرف البشرية عن مسارها، ولكانوا عقبة كأداء في وجه الإنحراف الذي اصابهم اولا، واصاب البشرية ثانيا، ومن هنا ربما نقف مع "هو من عند انفسكم "، أنت تملك المنهج وتستطيع معرفة الأمر الصواب والقيام به، ولكنك ركنت إلى أفهام بشرية مختلفة حصرت الدين في بعض المفاهيم الفقهية والعبادات، وتناست بحسن او سوء نية وربما سعيا للسلامة، وراء بعض العبادات، وتناست المفهوم الكلي لهذا الدين، وهذا الكلام يؤكد عليه الأمام الغزالي رحمه الله.
وهنا هل تدفع الأمة اليوم ثمن هذا الفهم السقيم للدين، أو تسلط فئة أخرى تسعى بإسم الدين لسلطة او نفوذ لأهدافهي في الأصلاهداف جماعة وليست أمة، بينما يعمل الدين حقيقة على التحصين العام للإمة والفرد، بحيث يصبح الفرد في مرحلة من الوعي، يستعصي على الأنقياد إلا إلى الصواب، وغرس مفاهيم الحرية الهادفة، التي تجعل حركة الإنسان في الكون منضبطة بمفهوم إستخلافه فيها، وليس بمفاهيم عبودية وتبعية لجهة هنا او جهة هناك، وصناعة خراف بشرية.
يقول الأمام محمد الغزالي في كتابه كيف نتعامل مع القرآن، "إن أثر الذل خطير في النفس البشرية ، ولعل أحسن من كتب في هذا الموضوع عبد الرحمن الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد ) .يرى بعض الناس أن موسى ، لو ربي في بيت إسرائيلي فإنه لن يكون عزيزاً أو نبياً كما حدث له عندما قدر له ربه أن يتربى فى قصر فرعون . . فموسي في قصر فرعون اصبح كواحد من أبناء الملوك ، فى نفسه عزة الملك . وفي الوقت نفسه لم ير شيئاً من الذل الذي أصاب قومه. كان بمنأى عن الذل ، بعيداً عن مناخ قومه .. عاش رافع الرأس. واستنكر الذل على قومه فيما بعد : لأنه لم يألف الذل ، وكان من تعبيره ، عندما حاجّه فرعون في قتله لأحد أتباعه : وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل ) ، بمعنى أن الحرية ليست منة منك ، وأن الدفاع عن النفس حق ، ولكنك اردت بني أسر ا ئ يل عبيدا عندك . لكن المهم أن تفصيل الحكم الفرعونى جاء في عدة نواح : الذين الفوا الانحناء لفرعون ظلوا فاسدين طيلة حياتهم، والقرآن يقول لنا : عندما بدأ موسى يدعوهم للحرية وإلى الإيمان وإلى طرح الخرافات لم يستجب له الكبار، وإنما استجاب له ذرية من قومه على خوف من فرعون وملأهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال فى الأرض وإنه لمن المسرفين ) [ يونس : ٠٨٣لقد بقيت للذين كبروا فى الضلال والظلم خصالهم هذه ( للتوضح اقول:وهنا هذه الخصال في الحقيقة هي المانع من التحرر) ، وتحدث عنها العهد القديم . يقول تعالى : فلما تَراءَ الجَمعَانِ قَالَ أصحاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كلا إن معي ربي سيهدين ﴾ [الشعراء: ٦١ - ٦٢).لكن العهد القديم يقول هنا : إن بني إسرائيل صرخوا فى موسى وقالوا له : ألم نحذرك من معاداة الفراعنة ، ألم ننبهك .. كان أولى بنا أن نموت في الوادي من أن نموت في هذه الصحراء. فالقوم مردوا على الذل وعاشوا به، وهكذا استمر الذل في الحياة ،في كثير من الأجيال. . ! إن الذل يطوى الظهور، ويفسد الملكات . . وهؤلاء هم الذين رفضوا أن يدخلوا الأرض المقدسة في الأصل" أنتهى كلامه رحمه الله .
وهنا مع عكس المواقع بين فرعون والضحية تتضح بلاغة القرآن، ولماذا تم ذكر الأمم السابقة بهذا الكم والعدد ، ولنا وقفة أخرى مع هذا .