تمهلي أيتها النائبة قليلا
ماهر أبو طير
تخرج علينا النائبة الكريمة رند الخزوز خلال جلسات مناقشة بيان حكومة الدكتور جعفر حسان وتشخص المشهد وتقول إن الأردن في ضيق وليس في أزمة، معتبرة أن هناك عدم وضوح بكثير من السياسات، فالأردن مستقر إلا أنه يعيش في أزمات كثيرة من حوله.
ومن حق النائبة أن تقول ما تريد، لكننا ننبه إلى أن الموسم السياسي والاجتماعي لا يحتمل المجاملات ولا التشخيص السطحي لما نعيشه، خصوصا، أن الأردنيين لا يريدون رفع المعنويات بهذه الطريقة فنحن لسنا في إحماء ما قبل مباراة، بل يريدون حلا للأزمات التي يعيشونها والتي تنكرها النائبة ضميا، من خلال الإشارة إلى أننا نعيش في ضيق فقط.
هذا كلام عاطفي، نحسب أن صاحبته أرادت تطمين الأردنيين على مستقبلهم على ذات طريقة الخطاب الرسمي، وهو كلام لا يأتي معاجن الأردنيين بالقمح، ولا يدفع فاتورة كهرباء.
نحن تجاوزنا مرحلة الضيق التي أشارت إليها النائبة الكريمة، ونعبر أزمات من نوعين، الأولى أزمات داخلية تم تصنيعها داخليا حتى قبل أزمات دول الجوار الحالية، بفعل عوامل عديدة، سياسية واقتصادية واجتماعية، والثانية الأزمات في جوار الأردن والتي أصبح بعضها أزمات أردنية مركبة، بشكل كامل، أو جزئي من حيث الارتداد المزمن، وذاك الارتداد المتوقع خلال السنوات القليلة المقبلة على مستوى الإقليم، الذي تتساقط حجارته فوق رؤوسنا أحيانا.
القصة هنا ليس تصيد الكلام والمصطلحات، لكننا ننصح لوجه الله، أن نتلطف بالحديث مع الأردنيين، وأن نخفف حيثما يمكن التخفيف، وأن نكون مباشرين واضحين حيثما يتوجب ذلك.
تعبير الضيق تعبير مخفف، أمام أزمة الخزينة المالية، والديون والعجز والاضطرار للاستدانة وما يلحق الضمان الاجتماعي من كلف هنا، وأمام مئات آلاف الجالسين بلا عمل، وأمام انخفاض الأجور، وكلف التعليم المرهقة جدا، وأمام تراجع الزواج بسبب الكلف المالية، والشعور بالغضب واليأس، والخوف من المستقبل، وتفشي مديونية الأفراد بشكل غير طبيعي والإرهاق الذي يشعر به الناس جراء طريقة إقراض المصارف، والفوائد التي دمرت آلاف البيوت والأفراد، وما يواجهه الأردني من مصاعب في العلاج، أو البحث عن فرصة تدريب، حتى لا نقول فرصة عمل مناسبة، اضافة الى الشعور بعدم اليقين، والحاجة الى نوافذ للتنفس، على المستوى الاقتصادي، ومشاكل القطاع الخاص، الذي يستغيث ليل نهار من التزاماته، وهو الوحيد الذي يولد الفرص، ولم يعد قادرا على هذا، إضافة الى النتائج الاجتماعية لكل هذا المشاهد من حيث نسب الجريمة والطلاق والغضب، وعدم قدرة الأردنيين على سداد كثير من الالتزامات من المسقفات مرورا بغيرها، وبين أيدينا رقم أعلنته الحكومة ذاتها، حول وجود 550 ألف سيارة بلا ترخيص، لولا مبادرة الحكومة بالتخفيف عن أصحابها مؤخرا، وهي مبادرة مقدرة بطبيعة الحال، حتى لا نبقى في حال اللطميات.
كل ما سبق يعبر عن أزمات وليس عن ضيق، إضافة إلى أن ما زاد ثقلها ثقلا، ما يجري في دول الجوار، فلسطين ولبنان وسورية والعراق، وتأثير الأزمات على الأردن اقتصاديا وأمنيا، وبعض هذه الأزمات باتت مركبة، مثل الملف السوري الأردني، والحدود واللجوء، والملف الأردني الفلسطيني، والقدس والتهجير، وما يتعلق أيضا بشكل عام بتراجع التجارة مع دول جوار الأردن، بما ينعكس على القطاع التجاري في الأردن، بشكل واضح وملموس ومحدد.
إذا أردنا تشخيص الواقع يجب الحديث بصراحة، فالذي يتحدث بصراحة ليس عدوا للأردن، ولن نجد في الأردن شخصا طبيعيا يتمنى له الضرر، إن لم يكن محبة له، فمن أجل مصلحته الفردية، وهذا يعني في المحصّلة أننا نريد أن يكون الأداء راشدا، فلا التسحيج الأعمى يحمي البلد، ولا التصعيد الفوضوي يحل الأزمات، والتوسط في التشخيص
والحلول، والإقرار بحدة أي مشكلة وإذا ما كانت مجرد مشكلة صغرى أو كبرى أو تحولت إلى أزمة مؤقتة أو أزمة مزمنة، هو الطريق الوحيد، لتجديد الدولة، وإدامة مصلحة شعبها، والبقاء في الأمان والاستقرار.
ولتعذرنا النائبة، فلا نريد كسر عصاتها في أول غزواتها، لكننا نريد أن تردوا الروح إلى حياتنا السياسية بطريقة غير هذه الطريقة، وهي برقية لبقية النواب والنائبات أيضا.